عالم عاش لإنقاذ الأرض وفنانة عاشت لتجعل الحياة عليها أجمل

سمير فريد الأربعاء 06-04-2016 21:27

فقدت الإنسانية فى الأيام الماضية المصرى مصطفى طلبة، وهو من أكبر علماء البيئة فى العالم، والمعمارية العراقية زها حديد، وهى من أكبر المعماريين فى العالم.

مصطفى طلبة هرم من أهرامات مصر فى القرن العشرين، مثل بطرس بطرس غالى فى السياسة، ومحمد حسنين هيكل فى الصحافة، واللذين فقدناهما أيضاً هذا العام.

وكما كان علم وعمل مصطفى طلبة من أجل إنقاذ الأرض، كان فن وعمل زها حديد من أجل أن تكون الحياة عليها أكثر جمالاً، وكلاهما من رموز العرب والمسلمين الكبرى فى عصرنا، وما أحوج العرب والمسلمين الآن إلى الاهتمام بدور العلماء والفنانين منهم أكثر من أى وقت مضى، وبعد أن أصبحت رموزهم الشائعة الحكام الدمويين من صدام العراق وقذافى ليبيا إلى بشار سوريا وصالح اليمن، ثم الدواعش الذين يتفاخرون بالوحشية ويتباهون بالإجرام.

صحيح أن مصر لم تهتم بعلم مصطفى طلبة كما يجب، وأن العراق كانت طاردة لفن زها حديد، فدرست العمارة فى لندن وعاشت فيها وحملت جنسيتها، ولو ظلت فى العراق لما حققت ما حققته، ولكن كليهما يظل من نتاج حضارة مصر القديمة فى وادى النيل، وحضارة العراق القديمة فى بلاد الرافدين، وقد ساهما فى صنع الحضارة الإنسانية الحديثة، كما فعل أجدادهما فى الحضارات القديمة.

يعرفنى الناس ناقداً للأفلام وباحثاً فى تاريخ السينما وفنونها، ولكن إذا كانت السينما حبى الدائم، فإن العمارة حبى الأول، وقد سألت الأستاذ والمعلم إسماعيل سراج الدين، وهو معمارى، وكان يعرف زها حديد منذ سنوات طويلة عن اشتقاق الكلمة الإنجليزية التى ترجمت بالعربية «العمارة»، فقال إن أصلها فى اليونانية رئيس البناة، وانتقلت منها إلى اللاتينية، واستقرت فى منتصف القرن السادس عشر الميلادى كما نعرفها فى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية.

ولست أعرف أول من ترجم الكلمة إلى العربية بالعمارة، ولكنى أعتقد أن الكلمة العربية أدق من كل اللغات الأخرى فى التعبير عن المعنى، فاشتقاقها من العمران والعمل، أى نقيض اليباب والخراب، والشىء يعرف بنفسه ونقيضه، والعمارة هى الفن الوحيد المرتبط بالحياة ارتباطاً مباشراً، وأكثر الفنون التى تصنع الذوق العام، فالناس يعيشون ويعملون فى عمائر، ويشاهدونها كل يوم وهم يتحركون فى كل مكان، وهى تبقى قروناً، ومنها ما يبقى آلاف السنين مثل أهرامات ومعابد مصر القديمة.

ولدت زها حديد فى بغداد يوم 31 أكتوبر عام 1950 لأب من كبار رجال السياسة والاقتصاد، وهو محمد حديد (1907 - 1999)، والذى كان وزيراً للمالية فى العراق من 1958 إلى 1963، وهاجر مع أسرته إلى لندن عام 1967، وقد درست زها فى مدرسة الراهبات الفرنسية فى بغداد حتى الثانوية، ثم درست الرياضيات فى الجامعة الأمريكية فى بيروت وتخرجت عام 1971، ثم الهندسة المعمارية فى كلية لندن للعمارة وتخرجت عام 1977 وهى فى السابعة والعشرين من عمرها، وقامت بالتدريس فى الكلية، وكانت أستاذاً زائراً فى جامعات العالم الكبرى مثل هارفارد وشيكاغو فى أمريكا وهامبورج فى ألمانيا.

وبدأت زها حديد حياتها الفنية فى مكتب أستاذها المعمارى العالمى الكبير ريم كولهاس، ثم أسست مكتبها الخاص مع باتريك شوماشير عام 1979، وطوال أكثر من ثلاثة عقود تم تشييد العشرات من تصميماتها الخلابة المتنفردة فى مدن أوروبا وأمريكا وآسيا، والتى ستبقى شاهداً على عبقريتها مئات السنين، وفازت بأكبر جوائز العمارة فى العالم، وهى جائزة «بريتزكر» عام 2004، وكانت أول امرأة تفوز بها، والأصغر بين الفائزين، وبكل الجوائز والميداليات الذهبية الكبرى، وأرفع الأوسمة من وسام فارس الآداب والفنون فى فرنسا إلى الوسام الإمبراطورى فى اليابان.

وفجر يوم الخميس 31 مارس 2016 بتوقيت ميامى الأمريكية، توفيت زها حديد بأزمة قلبية مفاجئة وكانت تعالج من التهاب رئوى، وخلال دقائق دوى خبر وفاتها فى كل أنحاء الدنيا، ونعاها وزير الثقافة فى بريطانيا والحكومة العراقية وأعظم المعماريين مثل لورد ريتشارد روجرز، مصمم مركز بومبيدو ودانييل ليبسكيند وأماندا ليفيثى وجراهام موريسون، وقررت حكومة الإمارات إطفاء أنوار جسر الشيخ زايد الذى صممته الفنانة ثلاثة أيام تعبيراً عن الحزن لرحيلها.

samirmfarid@hotmail.com