فجأة.. وبقرار سيادى عاجل، تقرّر عزل المستشار هشام جنينة من منصب «رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات» وإسناد المهمة للمستشار هشام بدوى، تحوم حوله أسئلة كثيرة عن جدارته بالمهمة الشائكة بحكم انتمائه لجهاز أمن الدولة، وإشرافه على التحقيق في قضايا فساد كبرى لأركان نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وانتهت كلها لاحقًا بالبراءة.. ولا مجال هنا للمقارنة بين «الهشامين» لتقييم أداء أي منهما وإنصاف أحدهما على الآخر، فمهنة القضاء وتحقيق العدل في الحياة مرهونة أولًا وأخيرًا بضمير وأخلاقيات صاحبها، والحكم على قرارات أي قاضٍ أمر يحتاج لمزيد من الوقت والتفنيد ليخرج موضوعيًّا ومنزهًا عن الهوى.
وتبقى أمامنا الآن دلالة المشهد ذاته في إعفاء شخص أراد أن يكشف بؤر الفساد ويفضح أوكارها العنكبوتية ولم يتورع في الكشف عن حجم الكارثة بالأرقام لتستيقظ مصر من غيبوبتها السياسية والاقتصادية وتلتفت «عصا» القانون الغليظة لمطاردة الفاسدين وضرب أعناقهم.. من هذه النقطة احترمنا المستشار جنينة والتمسنا في عهده شفافية القرار وإطلاع الرأى العام على «الصناديق السوداء» لقضايا وملفات الفساد المالى والإدارى المتراكمة منذ عقود.. وترقبنا معه خطوات جادة وشجاعة لاصطياد رؤوس الانحراف في الدولة «صغارًا وكبارًا».. وكما هو مفهوم من سياق الأحداث وتطوراتها، صدر قرار العزل بعد تصريحات إعلامية واضحة وعلنية عن حجم الفساد في مصر، وفيما يبدو أن رئيس الجهاز السابق قد اخترق «الخط الأحمر» وكان عليه أن يسكت ويعمل في صمت لمحاربة الفساد وملاحقة ذيوله دون ضجّة أو بروباجندا، لأسباب لا يعلمها إلا الله.. ومن بعده النظام.. غير أنه كان من الأحرى «إنذار» المستشار جنينة بضرورة التركيز في مهمته الحساسة وتوفير طاقته لجمع الأدلة والقرائن والمعلومات الكافية لإدانة «حفنة» الفاسدين تمهيدًا لوضعهم في قفص الاتهام وإحكام قبضة العدالة عليهم.. وبما أن النظام وضع ثقته في الرجل منذ البداية، فمن حقه أن يحظى بكل الفرص وأدوات المساندة لأداء واجبه، علمًا بأنه «لم يكذب» فيما قاله ويصرّ على الاستمرار في طريقه!!
ولكن «الكارت الأحمر» كان في انتظار «جنينة» لاستبعاده من الخدمة والاعتماد على غيره من «المطيعين» في إدارة أكثر أجهزة مكافحة الفساد حساسية وخطورة.. فلماذا الطرد؟.. خصوصًا إذا كانت النية صافية وصادقة لدى العهد الجديد في إغلاق جميع الأبواب في وجوه الفساد القبيحة؟.. وكيف يفسر أي شريف غيور على مصير البلد طريقة إقصاء واحد من أذرع القانون الفولاذية لضرب أي فاسد مهما بلغ نفوذه وطغيانه؟.. بل وكيف يكون شعور أي مواطن يحلم بدولة الحق والعدل وهو يرى البديل الجديد ذا تاريخ مثير للشكوك والتساؤلات بعد أن قرر بيديه وقلبه منح «أباطرة» استغلال السلطة والنفوذ «صك» الحرية، فصاروا خارج القضبان بـ«أموال الشعب»؟؟؟ ... وكيف ... وكيف ... وكيف؟؟ .... وللقارئ حرية وضع ما يشاء من أسئلة واستفسارات لمعرفة بواطن قرار إخراج البطاقة الحمراء للمستشار جنينة، في الوقت الذي استعاد فيه «المركزي للمحاسبات» عافيته لاسترداد الحقوق وكشف المستور.. لا نُسيء الظن.. ولكن فقط نريد أن نفهم.. وتُحترم عقولُنا!!