ثمن الأمنيات

مي عزام الإثنين 04-04-2016 21:30

«انظر وراءك في غضب» عنوان مسرحية كتبها الإنجليزي الراحل جون أوزبورن عام ١٩٥٦، عقب فترة تحولات قيمية واجتماعية عاشتها الشعوب الأوروبية بعد حرب مجنونة دمرت الأخضر واليابس، وتركت ورائها ضحايا بالملايين، جعلت الكتاب والمفكرين الأوروبين يشعرون بعبث الوجود ،وبدأت صيحات الغضب والتمرد على السائد، والخروج عن المألوف بمنظومة فنية تكسر الجمود وتثور على الواقع.

تذكرت عنوان هذه المسرحية وأنا أتابع حالنا، فنحن في حالة غضب، غضب عارم، والسؤال إلى متى سنظل غاضبين ؟؟...إلى متى ستظل طاقة الغضب السلبية تأكلنا وتبقينا عاجزين عن التفكير في المستقبل، الغضب يهدم، يحطم، يدمر كل شىء وان اردنا ان نبدأ بداية جديدة ،يجب أن نتوقف عن هذه المشاعر لنستطيع البحث عن مفهوم جديد للبناء على انقاض ما هدمناه .

لكن للأسف الماضى يحاصرنا بشكل خانق ،في الحواديت والأساطير القديمة، العراف دائما يحذرك من النظر للخلف وأنت تبحث عن ضالتك ،حتى لاتخسرما بين يديك وما تتمناه.

أسطورة أورفيوس تتحدث عن هذه التجربة بوضوج، فصاحب القيثارة السحرية، الذي كان يخلب بعزفه الألباب ويطوع به الشجر والحجر وتتبعه الحيوانات منتشية أينما سار، ماتت حبيبته وزوجته يوريدس،حاول أن يستخدم موهبته السحرية في الوصول لعالم الموتى وأستطاع أن يحصل على موافقة حراس هذا العالم السفلى على أن يرحل بحبيبته بشرط ألا ينظر إلى الخلف، وكاد أن ينجح في الخروج بحبيبته إلى الحياة الدنيا ولكنه في لحظة نسى النصيحة وتجاهل التحذير، ونظر للخلف ليتأكد أن حبيبته تتبعه ففقدها .

ماذا يوجد وراء الإنسان ويعوقه عن السير قدماً؟

هل هو الماضى ؟الذي يعوقنا أحياناً عن استكمال مسيرتنا نحو المستقبل، ويكبلنا بالمخاوف والألم .النسيان أحيانا يكون نعمة كبيرة تحدث عنها الفيلسوف الألمانى نيتشه ووصفها بأنها فعل إنسانى راقى، وقدرة إيجابية، لأنها تغلق من آن لآخر أبواب الوعي ونوافذه فتحول دون تدفق الماضي، وسعيه لأن يحضر ويحيا معك، ولأن الشعوب العربية محاصرة بالماضي، تفر منا اللحظة ولا نستمتع بشغف تخيل المستقبل وهو يعانق الأفق. نعيش الماضي بأحداثه التي لا نستطيع محوها أو تغييرها فتثقل كاهلنا، نسير بعبء حملها أينما ذهبنا.

بالنسبة لشخص عادي مثلي لا يفهم كثيراً في تفاصيل النظريات العلمية ،فإن ما افهمه من نظرية اينشتاين عن الزمن الذي اعتبره البعد الرابع بعد الطول والعرض والارتفاع،ان الزمن عنده ثابت كالأضلاع الثلاثة السابقة، ونحن المتحركون.

هذا التصور يغير كثيرا من تفكيرنا عن الحياة والزمن ،تخيل معي الزمن كقضبان قطار ممتداً من الأزل وإلى الأبد، النقطة التي نتجاوزها تصبح ماضياً، والتي نقف عندها حاضر، والتي سنخطوها مستقبل، ثلاث نقاط متقاربة جداً لكنها تختلف في سيطرتك عليها، فالنقطة التي تركتها للتو لا سلطان لك عليها وليست موجودة إلا في ذاكرتك فهى في ظهرك، والتي تقف عندها تملكها وتواجهها والقادمة في علم الغيب تصل إليها بصحبة الخيال.

هل الدعوة لعدم النظر إلى الخلف والتوقف عن العيش في الماضي معناه أن نحاول محوه تماما؟، أو تصور أننا نستطيع الوصول إلى المستقبل دونه؟ بالطبع لا، فالماضي هو ذاكرتنا وذكرياتنا التي تصوغ خبراتنا في الحياة. لو دخلنا الحاضر دون ماضٍ فهذا معناه أننا مسحنا علمنا السابق ومعرفتنا التي اكتسيناها على مر السنين.

الماضي خبرة والحاضر تجربة والمستقبل خيال، فيجب ألا تنتصر خبرتنا السلبية على محاولة التجريب ولاتعرقلنا عن التحليق في سماءالخيال .

لايمكننا أن نواجه المستقبل دون ماضى، لكن بشرط أن يكون عوناً لك وليس عبئاً عليك...الحياة في الماضى تمنع عنك الأمنيات .

ektebly@hotmail.com