من صندوق البريد

نيوتن الإثنين 04-04-2016 21:51

أرسل لى صديق كلمة للكاتب المحترم كمال غبريال لا أملك إلا نشرها كما جاءتنى.

فى مقال له بتاريخ 2/4/2016 تناول د. سعد الدين إبراهيم تحت عنوان «أسامة الغزالى حرب وتساؤلات مشروعة حول مُبادرتى للمُصالحة» الرد على بعض ما تعرضت له مبادرته من انتقادات، ولقد استلْفَت نظرى بالمقال ما بدا لى غريباً وغير متصور أن يصدر من قامة فكرية لها احترامها المحلى والعالمى مثل د. سعد الدين إبراهيم، لذا سنكتفى فى هذه السطور بتناول ما وجدته من قبيل «الغرائب والطرائف» دون التعرض للقضية التى أثارها سيادته بمجملها.

يقول د. سعد الدين إبراهيم: «ومع ذلك فإن حرب الاستنزاف القائمة منذ ثلاث سنوات تنطوى على ضريبة دم يدفعها شباب الإخوان، وشباب الجيش والشرطة، خاصة فى الأطراف الجغرافية لمصر، مثل سيناء والمُحافظات الحدودية الأخرى. فشيوخ الإخوان وكهول الدولة المصرية هم عادة بمنأى عن النيران، سواء كانت نيراناً مُعادية أو نيراناً صديقة. وتهدف مُبادرتنا للمُصالحة إلى وقف هذا النزيف الدموى حتى لو كان بطيئاً ومحدوداً».

الملاحظ هنا بداية أن سيادته هكذا يعترف أو يتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنهم مرتكبو تلك الأعمال الإرهابية الإجرامية، سواء فى سيناء أو فى سائر المدن المصرية. ورغم أن هذه قفزة تستبق التحقيقات والأحكام القضائية اللازمة لمثل تلك الاتهامات، إلا أننا لا نلومه فى هذا، مادمنا جميعاً متيقنين من حقيقة هذا الاتهام. لكن الغريب المذهل هكذا، أن يطرأ على ذهن صديقنا المفكر الكبير أن «مصالحة» يمكن أن تقوم، ليس بين دولة وشعب مع فريق أو تيار سياسى معارض، ولكن مع عصابات لجأت للإرهاب والقتل.. التصالح الذى يراود ذهن أستاذنا هو إذن تصالح مع قتلة ومخططين ومحرضين على القتل، وليس مع أصحاب رؤية سياسية سلمية لابد أن تتسع لها الساحة السياسية المصرية بالاحتواء.

وفى محاولته لتقريب وجهة نظره للقارئ والناقد، يستشهد بمثال ربما هو الأسوأ من حيث المقاربة، إذ يقول: «هل يُعقل أن تكون الدولة المصرية قد آثرت المُصالحة مع الكيان الصهيونى المُسمى بإسرائيل حقناً للدماء، ومن أجل التفرغ لتنمية مصر، وحقن دماء مواطنيها، ولا تفعل نفس الشىء مع جماعة من أبنائها حتى لو كانوا قلة مارقة؟!»

نعم يا صديقى يعقل أن تعقد دولة صلحاً مع دولة معادية خاضت ضدها حروباً دامية، ولا يعقل أن تعفو عمن حمل السلاح من أبنائها ضد شعبه وجيشه.. تساؤلك مدهش ومحزن يا صديقى، مدهش أنك ما أنت من علم وفكر سياسى ولا تعرف الفرق بين جندى يحاربك من وسط صفوف جيشه المعادى، وبين من قلت عنهم «قلة مارقة» تستحق أن يطبق عليها «حد الحرابة»، وفق ما تلى ذلك من كلامك، وقد عرجت عن التناول السياسى للقضية إلى التناول الدينى، ما نعتبره خطيئة أو انحرافاً منك إلى مسار كنا نظنك آخر من يمكن أن يذهب إليه، إذ تقول: «ألم يفعل الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم» ذلك مع كُفّار قريش، رغم ما ساموه إياه من إنكار وتعذيب، وتشريد؟ وفى النهاية صفح الرسول عنهم، وقال لهم حينما دخل مكة فاتحاً مُنتصراً «اذهبوا فأنتم الطُلقاء»؟

رغم رفضنا المطلق لهذا التديين للقضية، والذى ينحو بنا إلى ذات أيديولوجية من أطلقت عليهم أنت «قلة مارقة»، إلا أن مثالك فاشل يا سيدى، إذ تختلف حالة «عصابة الإخوان المسلمين» عن حالة «كفار مكة» ساعة الفتح، الذين تابوا جميعاً لحظياً عن شركهم وكفرهم ودخلوا فى زمرة المؤمنين. فهل أصحابك من «القلة المارقة» مستعدون لمثل هذا، بأن يعودوا إلى حضن الوطن والوطنية، ويتوبوا عن «كفرهم بالوطن»؟!

يقول د. سعد الدين إبراهيم أيضاً: «وألم يفعل ذلك أيضاً الزعيم الأفريقى الأسطورى، نيلسون مانديلا، مع أركان النظام العُنصرى الذى اضطهده، هو وشعبه، وسجنه 27 سنة فى جزيرة روبين، ومع ذلك أطلق الرجل مُبادرة الإنصاف والمُصالحة؟».

هذا المثال أيضاً فاشل يا أستاذنا، فالمصالحة التى تمت على يد نيلسون مانديلا لم تكن مثل مصالحتك المتصورة مع «القلة المارقة»، إذ ذهبت جميع الأطراف إلى التخلى عن العنصرية والفصل العنصرى، ليتوجه الجميع وجهة إنسانية حداثية مستقيمة.. فهل أخذت يا أستاذنا من أصدقائك المارقين وعداً بالتخلى عن أيديولوجيتهم، والاستقامة باتجاه علمانى حداثى، أم هى ذات التقية والخداع، حتى يتيسر لهم التمكن من رقابنا من جديد؟!