قضية الآثار الأولى

زاهي حواس الإثنين 04-04-2016 21:51

بالفعل أنا مشفق على وزير الآثار الدكتور خالد العنانى الذى تولى المهمة منذ أيام؛ ليجد نفسه أمام ملفات صعبة وشائكة تحتاج إلى قرارات ولا تحتمل الانتظار أو إعطاءه فرصة للتعرف على الوزارة التى تولى مسؤوليتها؟!

ولكى لا نزيد من معاناة الرجل نقدم له حلولاً عاجلة لوقف المزيد من التدهور الذى أصاب القطاع الأثرى فى مصر مؤخراً، وذلك حتى يستطيع أن يمنح نفسه بعض الوقت للتفكير فى مستقبل العمل الأثرى فى الفترة القادمة.

وأول الحلول من وجهة نظرى هو العودة إلى قرار اللجنة الدائمة بمنع البعثات الأجنبية الجديدة من العمل فى الصعيد، من الجيزة شمالاً حتى أسوان جنوباً، وتشجيع البعثات الأجنبية على العمل فى مناطق الدلتا وفى الصحراء.. بمعنى تشجيع أعمال الكشف والنشر العلمى فى المناطق الأثرية المهددة.

للأسف الشديد كان منح الوزير السابق تصريحاً لبعثة ألمانية للعمل بأسوان خطأً فادحاً تمت التغطية عليه بخطأ كارثى، والنتيجة أن الآثار هى التى تدفع الثمن!

ولقد كتبت فى نفس المكان من قبل محذراً من المصائب التى سيسببها القرار ولكن لم يسمع أحد، ولم يُجب أحد! والآن لابد من العودة إلى الطريق الصحيح، وهو إعادة تشكيل اللجنة الدائمة من الخبرات والكوادر التى يعتمد عليها فى إدارة الآثار، لكى تكون بحق لجنة معينة (بضم الميم) للوزير، وليست لجنة «نعم وآمين» لقرارات الوزير.

الوزير الذى يريد أن ينجح فى عمله عليه أن يصر على السماع للآراء الأخرى، ولكلمة المعارضة فى وزارته، لكى يصل إلى القرار السليم.. أما من يصر على الفشل ويخترع له الصاروخ للوصول إليه فهو من يقوم بحل اللجنة الدائمة لعمل لجنة تفصيل تحلل وتشرعن قراراته بغض النظر عما ستجلبه تلك القرارات من مآسٍ لا تتحملها الآثار فى أزمتها الحالية.

كيف يُعطَى تصريحٌ لبعثة متحف برلين للعمل فى أسوان؟! بل بأى حق نمنحهم تصريحاً للعمل بالمقابر التى اكتشفها الأهالى أثناء ثورة 25 يناير؟ هل نحن نكافئهم على تمسكهم برأس نفرتيتى فى متحفهم رغم أن مصر تطالب بعودة الرأس منذ عام 1924! وقبل أن يندفع المتحذلقون بأقاويل عنترية حول أحقية ألمانيا فى الرأس، نبين لهم أن الإدارة الفرنسية للآثار قبل 1952 كانت قد قدمت للحكومة الألمانية كل ما يثبت أحقية مصر فى عودة الرأس بسبب التزييف والخداع الذى حدث عند قسمة الآثار بين البعثة الألمانية والمتحف المصرى بالقاهرة. وفى عام 2010 قمت بتقديم ملف كامل عن تاريخ وظروف خروج الرأس من مصر مدعماً بالوثائق التاريخية.

وعلى الرغم من ذلك نعطى المتحف تصريحاً بالاستيلاء على موقع أثرى بأسوان ونشر مقابر مكتشفة! لا بد من العودة لتفعيل قرار اللجنة الدائمة الذى ألغته لجنة تفصيل القرارات بمنع إصدار تصاريح جديدة لبعثات أجنبية للعمل بالصعيد.

لن تستفيد الآثار شيئاً من مجاملة متحف برلين وجامعة بون ومنحهما تصاريح حفائر جديدة بأسوان!

كذلك يجب إلغاء التصريح للبعثة الأمريكية الجديدة باللشت، التى تم منحها تصريحاً فقط لكى لا يُقال إن الوزير السابق يجامل الألمان! والخلاصة أننا كنا نعالج الخطأ بمصيبة ونعالج المصيبة بكارثة. نحن لا نملك سوى هذه الآثار التى صنعت مجد مصر قديماً وحديثاً، وهى أمانة فى أعناقنا، وليس من المعقول أن نوظفها لمجاملة هذا أو ذاك.

وإذا كان الرجوع إلى الحق فضيلة فهو يظل فضيلة حتى لو كانت العودة على يد وزير جديد لا يُسأل عن أخطاء من سبقه.