لم ينشغل العالم طيلة الثمانى والأربعين ساعة الماضية إلا بأوراق بنما.. أحد عشر مليون وثيقة سرية تم تسريبها من شركة موساك فونسيكا للاستشارات والخدمات القانونية، وعن طريق تحقيق صحفى استقصائى ضخم شارك فيه أكثر من أربعمائة صحفى من ثمانين دولة.. تبين أن هذه الشركة فى بنما كانت غطاء لشركات وهمية لتهريب وغسل الأموال والتهرب الضريبى، وأن عملاء هذه الشركة كانوا من كبار السياسيين ورجال الأعمال ورؤساء حكومات وأمراء واثنين وسبعين من رؤساء الدول الحاليين والسابقين، منهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك وأمير قطر الحالى وأفراد من عائلة الرئيس بوتين وقادة كبار فى الصين..
منهم أيضاً رياضيون كبار بحجم نجم برشلونة الأرجنتينى ليونيل ميسى ومسؤولون كبار فى الفيفا.. وإذا كان الكثيرون قد اهتموا بهذه الفضيحة التى باتت معروفة عالمياً باسم «أوراق بنما» فقط للبحث عن أى أسماء ووجوه..
فإن الأكثر إمتاعاً كان الغوص فى أعماق هذه الحكاية وتفاصيلها، وبقيت طيلة اليومين الماضيين أواصل القراءة ويزداد يقينى ساعة بعد أخرى بأن سينما المافيا والعصابات مهما بلغت درجة إتقانها فإنها لم تصل أبداً لمستوى إدارة هذه الشركة وكل زبائنها وملياراتهم الطائرة من بنك إلى بنك ومن بلد لآخر..
وأتوقف هنا أمام أربعة صحفيين بالتحديد.. توماس كيشتنر وفريدريك أوبيرميير وباستيان أوبرماير وموريشوس ماخ.. الذين تابعوا ما يخص الفيفا فى أوراق بنما.. واكتشفوا أول فضيحة فساد سيتعين على الرئيس الجديد للفيفا إينفانتينو مواجهتها، فقد أظهرت أوراق بنما فساد خوان بدرو داميانى.. محام من أوروجواى، العضو المهم فى لجنة الأخلاق بالفيفا.. الذى سبق أن تولى التحقيقات مع المسؤولين السبعة الذين قبض عليهم البوليس السويسرى فى زيورخ بطلب قضائى أمريكى.. وتفضح أوراق بنما كل العمليات القذرة لداميانى الذى كان يقوم بتهريب وغسل الأموال لكل مسؤولى الفيفا الكبار، ويؤسس بأسمائهم شركات وهمية.. فضحت أوراق بنما أيضاً حكايات فساد جديدة لسكرتير عام الفيفا السابق جيروم فالك الذى كانت شركة موساك فونسيكا تتولى أيضاً إخفاء سرقاته وأمواله هو وشركائه داخل الفيفا.. ويتضح من تلك الأوراق أن الفيفا لايزال يرقد فوق جبل فساد وفضائح لم تتكشف بعد.. تماماً مثل حكاية ميسى وتهربه من الضرائب والقضاء الإسبانى عبر شركات وهمية فى بنما وأوروجواى بالاتفاق مع شركة موساك فونسيكا..
وعلى الرغم من تهديد ميسى أمس الأول بالملاحقة القضائية لكل من يربط بينه وبين أوراق بنما فإن أحداً لم يخف من تلك التهديدات ولايزال كثيرون يواصلون البحث والتحقيق والتدقيق أيضاً.. وبقدر اعتزازى واحترامى لهؤلاء الصحفيين الأربعة ونجاحهم فى كشف فساد جديد للفيفا بقدر إحساسى بالعجز والخجل، حيث إننا كلنا فى مصر لم نقم بعد بمثل هذا الدور لمطاردة وفضح أى فساد وكل فاسد.