.. واشمعنا البرلمان؟

عبد الناصر سلامة الإثنين 04-04-2016 21:28

إذا كانت هناك أكثر من جهة في مصر لا تخضع لمراجعة الأجهزة الرقابية، وقد صمت الشعب بكل أطيافه على ذلك، فلماذا التركيز هذه الأيام على البرلمان، هذه الجهات للأسف نص عليها دستور ٢٠١٤ صراحة، في المواد ١٨٥ و١٩١ و٢٠٣ بشكل قاطع، وهو إدراج الموازنات الخاصة بها رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة، دون أي تفاصيل حول أوجه الإنفاق، لماذا نطالب مجلس النواب، وهو السلطة الثانية في الدولة بعد السلطة التنفيذية، بألا يكون على «راسه ريشة» هو الآخر، وينفق كما يشاء، خاصة أننا قد اعتمدناه في السابق «سيد قراره» ولم يعترض أحد أيضاً؟

صدام وجدل قانونى حاصلان الآن بين البرلمان ومجلس الدولة حول رفض البرلمان توصية المجلس الخاصة بالمادة ٤٠٤ من اللائحة الداخلية، التي تنص على إدراج ميزانيته رقما واحدا في الموازنة، أهل القانون يرون أن اعتراض المجلس غير دستورى، ويُعرِّض لائحة البرلمان لعدم الدستورية حال الطعن عليها، أهل العُرف يرون أن المجلس كان يجب أن يكون القدوة، ويبادر بطلب إدراجه ضمن الجهات محل المراقبة والمساءلة مادام ليس لديه ما يشينه.

أعتقد أن البرلمان المعبر عن الشعب يجب أن يكون طوال الوقت صاحب الصوت العالى، إذا لم تكن «على راسه بطحة»، إلا أن الأصوات أصبحت تصدر هذه الأيام بالهمس والغمز واللمز، مادامت هناك إجراءات فورية للفصل وسحب الثقة، ومادامت هناك عمليات «نبش» حول الشهادات الجامعية وفوق الجامعية، ومدى صحتها، ومادامت عمليات الطرد والحرمان من الجلسات مستمرة، ومادامت الرواتب والمكافآت متفاوتة القيمة بين نائب وآخر.

همس في أذنى أحد النواب قائلاً: واشمعنا هناك ثلاث جهات أخرى لا تخضع للرقابة، إحنا سلطة قبل القضاء، والآخرين ليسوا سلطة أصلاً، قلت: لماذا لا تدلى بدلوك بالفم المليان داخل قاعة المجلس، حتى يتم التسجيل في المضبطة، على الأقل للتاريخ، فرد على الفور قائلاً: أولاً ليس من السهل الحصول على الكلمة خلال الجلسة كما يمكن أن تتصور، ثانياً سوف يعترض رئيس المجلس على هذا الكلام، وبمجرد اعتراضه سوف تفاجأ بأن غالبية الأعضاء أيضاً يعترضون ويحدث هرج ومرج، ولن أستطيع استكمال الكلمة، ثالثاً: سوف أُصبح في القائمة السوداء مدى الحياة، سوف يتم تسجيلى على أننى ضد الدولة أو ضد النظام.

لنا أن نتخيل أن هذا هو انطباع نائب بالبرلمان عن دولته ونظام دولته، وعن برلمانه، وعن رئيس البرلمان والنواب، باختصار هي حالة من الرعب غير مسبوقة، إلا أن رؤيتهم تتلخص في أنه يجب معاملة المجلس كغيره من الجهات الأخرى الخارجة عن الطاعة، إلا أنى أراها وجهة نظر تحتم علينا النظر إلى القضية من منظور أكثر اتساعاً، وأكثر فاعلية وواقعية، إذا أردنا لهذا الوطن أن ينهض بالفعل، دون أن نستمر في حالة التشكيك المتبادل هذه.

أرى أن الأمر يتطلب تجاوز مرحلة «اشمعنا» هذه إلى مرحلة أخرى أكثر نضجاً وشفافية، وهى ألا تكون هناك استثناءات، ليس فيما يتعلق بهذه القضية فقط، وإنما فيما يتعلق بكل قضايانا، يجب ألا يكون هناك من هو فوق القانون، أو فوق الرقابة، أو فوق المساءلة، أشخاصاً كانوا أو جهات رسمية أو غير رسمية، الأشخاص جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات، والجهات والسلطات كذلك، الجميع يخضعون للرقابة، الجميع يخضعون للمراجعة، التقارير الرقابية كان مدوناً عليها دائماً وأبداً عبارة: غير قابل للتداول أو النشر، من الممكن أن يعود الأمر كذلك، هو أمر منقوص بالتأكيد، إنما تبقى هناك المساءلة.

كنت أتوقع أن تبادر كل جهة إلى طلب الفحص الدورى لأوراقها من خلال الأجهزة الرقابية، انطلاقاً من نظرية «حتى يطمئن قلبى»، كنت أتوقع بعد كل هذه القضايا المنظورة أمام المحاكم حول إهدار المال العام، أو إسناد الأعمال بالأمر المباشر، أو الكسب غير المشروع، أن تبادر كل جهة إلى تنقية أجوائها، وتبرئة ذمتها أولاً بأول، إلا أن الغريب أن تتفاقم حالة الجدل حول هذه القضية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الانطلاق بخطى ثابتة نحو مستقبل ناصع، ينبض بمبادئ تعلوها القيم والأخلاق والضمير بالدرجة الأولى.

على أي حال، البرلمان لن يكون هو الأخير الذي يطالب بالاستثناء، مادامت الاستثناءات سوف تظل أسلوب حياة، رغم ما يمر به المجتمع من محن وأزمات تتطلب مزيدا من الاصطفاف، وليس مزيدا من التشرذم.