عن ضرورة المصالحة (مقال قارئ)

جمال الجمل الأحد 03-04-2016 23:30

(1)

مقال اليوم للدكتور محمد أشرف عبد المقصود وهو مصري مقيم بريطانيا، ونظرا للاحترافية التي عرض بها فكرته، لم أتدخل في مقاله الطويل، الذي أنشر الجزء الأول منه اليوم، مؤكدا اهتمامي بالقضية التي يطرحها، والتي تناولها من خلال تجربة لانعرف عنها الكثير، وبصرف النظر عن التحديات التي تعطل هذا الهدف من طرفيه، إلا أن الصعوبة التي نخشى منها لا يصح أن تستمر حائلا دون التفكير في حل لهذه القضية التي تهدد الاستقرار المجتمعي، وتنذر بمزيد من التفسخ في النسيج الاجتماعي لمصر، فإلى المقال:

(2)

عزيزي .....

هاتان حكايتان كتبتهما اليوم خصيصاً لك، وأنا أستقل أحد قطارات الضواحي في انجلترا ذاهبا الي عملي, عندما قرأت ما كتبته من أنك تريد أن يشاركك القراء حكاياتهم..

رأسي مملؤ بالخواطر والحكايات، لكن الكتابة لم تكن صنعتي في يوم ما ولم تدركني حرفه الأدب ولم أحلم يوما أن أكون صحفيا، فلماذا أكتب؟ ولماذا تكتب أنت؟ ولماذا يكتب الصحفيون والكتاب والشعراء، إذا كان صوت هتلر كان مجلجلاً أقوي من كتابات هيمنجواي أثناء الحرب العالمية الثانية، وإذا كان بريخت اضطر للهروب من نازية هتلر إلي الدنمارك فارتفع صوت النازية والفاشيه وانتشر؟، ومع ذلك قلت لنفسي، ولماذا لا أكتب لأ شاركك وأشارك قراؤك شيئا قد أكون خبرته أو عايشته؟.. لماذا لا نتسلي؟, ألم يقل أحدهم يوماً " خليهم يتسلوا"؟.. فلا بأس بالتسلية إذن..

(3) الحكاية الأولي

هل تريد أن تستثمر أموالك حتي لو كانت قليلة؟

سأحكي لك عن مكان تستطيع أن تستثمر فيه أي مبلغ حتي لو كان قليلا، وسوف تحقق ربحاً جيدا، لأن ذلك بلد صار يعد من أكثرالدول نموا في القاره وصارت فرص الاستثمار فيه واعدة.

أراك تسألني أي قاره وأي بلد هذا؟، ولكن قبل أن أجيبك دعني أحكي لك الحكاية:

(4)

في مثل هذه الأيام وفي السابع من شهر أبريل من عام1994، اندلعت حرب أهليه بين القبيلتين اللتين تمثلان الشعب في ذلك البلد، وخلال 100 يوم فقط هي مده الحرب، قُتل 10% من السكان وأكثر, كان الزوج يقتل زوجته.. نعم قتل أزاوج زوجاتهم، والجار يقتل جاره، والقس يقتل من يلجأ إلى الكنيسة إذا لم يكن من قبيلته.

أراك عزيزي القاريء تخمن اسم الدولة والقارة التي يقع فيها هذا البلد، نعم إنه رواندا البلد الذي أكلته الحرب الاهليه بين قبيلتي الهوتو والتوتسي, حرب أبيد فيها حوالي مليونين من البشرفي بلد تعداده عشره ملايين فقط, واغتصبت ألاف النساء واحمرت مياه نهر الكونجو- وهو فرع نهر النيل في رواندا -بفعل الدماء والجثث التي ألقيت فيه.

قد يأخذك العجب عزيزي القاريء اذا أخبرتك أن هذه الدولة الآن هي أكثر دول أفريقيا أمانا وأعظمها نموا وفرصا للاستثمار. أكتب اسمها في محرك البحث علي جهاز الكومبيوتر وستري..!

(5)

تسألني كيف استطاعت هذه الدولة الصغيرة التي خرجت من حرب أهلية ضروس قضت على الأخضر واليابس، أن تتحول إلى دولة آمنه مطمئنه وتبدأ هذا التطور والنمو الهائل؟

الإجابة عزيزي القاريء تمثلت في كلمة واحدة, هي "المصالحة", نعم المصالحة بكل ماتحمله هذه الكلمه من تكلفة.. لقد حدثت محاكمات للمتحاربين داخل البلد نفسه وفي أوروبا, ولكن ماتم خارج نطاق المحاكمات الرسمية كان شيئا فوق التصور .قضي الكثيرون سنوات طويله في السجن ولكنهم عندما خرجوا طلبوا الصفح وكانوا مستعدين للمصالحة. لن أحدثك طويلا عن اجراءات الاعترافات وطلب الغفران، لأنهم استطاعوا بعد كل هذا أن يستأنفوا العيش معاً بعد مكاشفات واعترافات صادقة، ومقدرة على الصفح من أهالي الضحايا، بهدف بدء صفحه جديدة من العيش المشترك, بالطبع بعد الحصول علي بعض التعويضات والامتيازات لأهالي الضحايا.

(6)

نعم عزيزي القاريء لقد اجتمع الجلادون والمجرمون مع ضحايا حوادث القتل والتعذيب والاغتصاب تحت سقف واحد ومظلة واحدة.. اعترفوا، وصفحوا، وتعانقوا، وبدأوا من جديد، لأنهم جميعا أدركوا أنهم مضطرون للعيش في نفس البلد ونفس المكان وليس بإمكانهم أن يغادروه، وبالتالي عليهم أن يؤسسوا لحياة جديدة، وعالم جديد لا يعرف الكراهية، ولا الانقسام، ولا العداوة، ولا القتل على الهوية.

لهذا فلا غرو أن تصير هذه البلاد رغم محدوديه امكانياتها الماديه والبشريه من طليعة الدول الافريقية الجاذبة للاستثمار والقابلة للنمو والراغبة في الحياه وليس في الانتحار.

(7)

الحكايه الثانية.. في مقال الغد..

فانتظروها

جمال الجمل

tamahi@hotmail.com