السعودية لديها ما تقدمه غير «الرز» (2)

مي عزام الأحد 03-04-2016 22:36

(1)

أعلنت السعودية منذ ما يقرب من شهرين عن وقف مساعدتها المخصصة لتسليح الجيش اللبنانى، والتى تصل إلى عدة مليارات من الدولارات على خلفية تصريحات ومواقف لحزب الله اعتبرتها السعودية عدائية، وهو ما حسبته المملكة على الحكومة هناك وأعتبرت أن المواقف اللبنانية لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين.

وفى مارس الماضى أعلنت الجامعة العربية عن تصنيفها لحزب الله منظمة إرهابية، وهو القرار الذي تحفظت عليه لبنان والعراق والجزائر أبدت ملاحظات، هذا الموقف كان بإيعاز من المملكة التي وجدت أن حزب الله يتبنى المواقف الإيرانية التي تتعارض مع المصالح السعودية.

للسعودية الحق في الدفاع عن مصالحها والضغط بكل الوسائل للحفاظ على نفوذها الإقليمى إزاء التغيرات التي حدثت وأخلت بتوازن القوى في المنطقة، خاصة بعد رفع العقوبات عن إيران ونجاحها في إدارة مفاوضات ملفها النووى الذي تزامن مع تمددها في دوائر كانت حكرا على السعودية.

الموقف السعودى من لبنان كان واضحا: المنح والمساعدات لها شروط أهمها أن لا يتعارض موقف الدولة التي تساعدها مع مصالحها، وأن تكون مواقفها متضامنة مع المملكة في الملفات الإقليمية والدولية المطروحة.

المملكة لا تقدم زكاة مال، ولكن مساعدات مقابلها مصالح ومنافع أي أنها ليست لوجه الله.

(2)

السعودية لا تمتلك فقط رصيدا ماليا ضخما، ولكن أيضا رصيدا معنويا، فهى زعيمة الإسلام السنى، وهي مقصد ملايين المسلمين معتمرين وحجاج، تدعم وتساند الجماعات السلفية أينما كانوا، لديها قدرة عظيمة على كسب ثقة الأنظمة الصديقة بسخائها المعروف، أسست منابر إعلامية تدافع منها على مصالحها وصورتها، بالإضافة إلى حشد أعداد ضخمة من الإعلاميين في العالم العربى وخارجه، تعتبرهم أصدقاء المملكة، وهى معروفة بكرمها مع الأصدقاء الأوفياء.

(3)

النظام السعودى لم يتعاطف مع ثورات الربيع العربى التي أدت لسقوط أنظمة صديقة مثل بن على في تونس ومبارك في مصر، لكن الواقع الجديد فرض على المملكة تعامل سياسى مختلف، العالم القديم الذي تعامل معه وزير الخارجية الراحل الأمير سعود الفيصل على مدى أربعة عقود انتهى وإلى الأبد.

ولأن النظام السعودى من أكثر الأنظمة العربية ستاتيكية، كان لابد بعد كل هذه الزلازل على الساحة العربية والإقليمية أن يحدث بعض الخلخلة، وهو ما حدث مؤخرا على يد الجيل الجديد الذي يمثله الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع، الذي أعتقد أنه شخصية مختلفة، فهو يحاول أن يفكك الصورة النمطية القديمة عن السعودية ليؤسس لصورة جديدة جعل من المملكة التي كانت تفضل التأنى تتجه إلى المبادرة، وبعد أن كانت تنحاز إلى الحذر تأخذ بزمام الحزم.

لكن هذه الديناميكية لم تصل إلى بنية المفاهيم التي تتبناها السعودية ولا تتلائم مع عصرنا والمتمثلة في أفكارالمذهب الوهابى التي تتبعه السعودية وتحرص على نشره.

(4)

السعودية متهمة أمام العالم بأنها دولة لا تراع حقوق الإنسان وتمارس التمييز ضد المرأة، كما أن هناك اتهامات حول دعمها للتيارات الدينية الجهادية والأصولية المتشددة التي أفرخت في النهاية القاعدة وداعش.

المسلمون المتشددون يمثلون الآن مشكلة للعالم، الإرهاب باسم الإسلام يضرب شمالا وجنوبا شرقا وغربا بلا تميز، المسلمون خاصة ذو الأصول العربية ينظر إليهم بريبة وحذر في الغرب، جزء كبير من تلك الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين مسؤول عنه المملكة العربية السعودية، فما يحدث على أرضها ليس شأنا داخليا يخصها وحدها، فهى قدوة لملايين المسلمين حول العالم.

(5)

لا يمكن أن يحدث تطور حقيقى للبلاد العربية، والتى يمثل الدين الإسلامى جزءا أساسيا من ثقافتها وهويتها، لوظل فهمنا للدين محصور فيما نقل لنا عن السلف الصالح دون محاولة للاجتهاد في فهم الشريعة على ضوء مستجدات عصرنا، ولا يمكن لذلك أن يتم دون مساهمة سعودية.

المملكة عليها أن تقتنع أن الوقت حان للعبور من الماضى إلى المستقبل، وألا يقتصر التثوير الذي يتم على يد شباب مثل الأمير محمد بن سلمان في الاندفاع نحو عاصفة الحزم أو التسرع في التحالف الإسلامى ولا تأسيس صناديق الاستثمار المليارية لمرحلة ما بعد النفط، البداية الحقيقية لأى تغير ينطلق من المفاهيم، والدين عنصر مؤثر جدا في عقلية العربى المسلم ومفاهيمه، أن ما يحدث في السعودية يؤثر على مجريات الأمور في العديد من الدول الإسلامية. صورة المملكة أصبحت مثل صورة دوريان جراى.

وأخيرا ....

مصر والسعودية مؤهلتان لقيادة الوطن العربى نحو المستقبل، لكن بشرط أن يؤمن قادة الدولتان بالتغيير، وألا يظل القادة عالقين في الماضى ويثبتا ذلك بالأفعال لا بالأقوال.

ربما القارئ الكريم كان ينتظر منى شيئا مختلفا، ربما ظن أننى سأكتب عن التحالفات العسكرية والقوة العربية المشتركة، والوساطة السعودية لتحسين العلاقات المصرية التركية، وضرورة تنفيذ خطط السوق العربية المشتركة وكيف يتكامل الوطن العربى ليصبح قوة اقتصادية وصناعية لها قيمة ووزن على مستوى العالم، كل ذلك مهم بل مهم جدا، ولكن أولوية المرحلة القادمة هو وضع مفاهيم واضحة تجيب على أسئلة من نوعية :من نحن ؟ما هي قيمنا؟ ماذا نريد؟ وكيف سنحققه؟

لا يهمنى كثيرا صورة العربى في نظر الغرب فهناك جذور للشك والريبة، لكن يهمنى أكثر صورة العربى في مرآته.... وأظننا لم نعد فخورين بها.

ektebly@hotmail.com