خلال الأيام الماضية تعرضت مصر لأزمتين كبيرتين، هما حادث الطائرة المصرية المختطفة إلى قبرص، وحادث مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، ومازالت تداعياته على العلاقات المصرية الإيطالية واقعة.
من يرى طريقة المعالجة الرسمية للحادثين يظن أنهما وقعا فى دولتين، إحداهما تحترم حقوق الإنسان وكرامته وتجعل العالم يشهد أن هذا البلد هو بالفعل صاحب حضارة عظيمة ضاربة فى أعماق التاريخ، والثانية تمتهن تلك الحقوق ولا تعبأ بأى قيم أو مُثل، أو تشهد على أن المصرى والآخر الأجنبى على أرض الكنانة هو بالتأكيد حَرَض مثبور.
فى الحادث الأول شهدنا أن الأزمة أديرت بكفاءة منقطعة النظير، فالدولة المصرية رغم تأخر الإعلان عن خطف الطائرة لمدة ساعة تقريباً، عندها استقى المصريون الحدث عبر وكالات الأنباء والمحطات الفضائية الأجنبية، كانت قد أعلنت عن التعاون مع قبرص فى حل الأزمة على عكس ما حدث عام 1987 عندما شهد مطار لارناكا حادثاً مماثلاً وتدخلت فيه مصر عسكرياً، وقُتل بعض أفراد الكوماندوز المصرى والخاطفون والمختطفون، وسلم الكوماندوز أسلحتهم لقبرص قبل المغادرة وقطعت العلاقات معها وقتئذ. وهذه المرة وفى خضم الأزمة اعتذرت مصر لأحد الركاب المصريين بعد أن اتهمته خطأ بخطف الطائرة، كما رفض قائد الطائرة فتح قمرة القيادة لقرصان الجو، وجعل المضيفات هن حلقة الوصل معه، بشكل جعل الكل يثنى على الفتيات اللائى روَّضن الخاطف وهدَّأن من روع المختطفين، وبعد انتهاء الأزمة استقبلت مصر المختطفين بحفاوة بالغة. والأهم وسط كل ذلك أن الجميع أقنع القرصان بعدم التوجه إلى تركيا، فهذا الأمر إن حدث لأدى إلى تحول المختطف لبطل قومى، بعد أن تبالغ تركيا فى مطالبه دون أن تعبأ بأى تدخل سعودى أو خلافه.
أما من يرى أزمة ريجينى فإنه يستشعر كما ذكرت آنفاً أنك أمام أناس آخرين، وهم بالفعل كذلك، تم الاستهزاء بعقلية المصريين والإيطاليين على السواء، وتضاربت البيانات، فتارة يقال إن قتلة ريجينى تم الإيقاع بهم، وبعد استهجان الرواية قيل إنهم ليسوا القتلة بل اللصوص الذين سرقوه، ثم تتهم الداخلية من تحدث عن أنهم القتلة بأنهم مروجو شائعات، وأنها لم تقل أبداً إنهم القتلة. وأثناء الحدث ذاته تذكر أن القتلة/ اللصوص تم قنصهم جميعاً دون أن يبقى أحدهم جريحاً!! وإذا أضيف إلى كل ذلك كارثة تعامل مجلس النواب مع بيان الاتحاد الأوروبى، الذى قام بالرد المؤسف والمتعجل، لجعلنا أمام كارثة حقيقية فى إدارة الأزمة. والغريب وسط كل ذلك يقيل الرئيس من يتحدث عن الفساد حتى لو كان يبالغ فيه ويبقى على من تعامل مع أزمة ريجينى بهذه الطريقة، فالجميع يعلم الآن أن الإيطاليين لا يهمهم الوصول إلى قاتل ريجينى المصطنع قدر ما أصبح يهمهم أن تبرِّى الداخلية ساحتها من تصفيته.