الصورة الأخيرة للسيد الرئيس

أحمد الصاوي السبت 02-04-2016 21:33

الأرجح أن الحكام تحديداً يختارون نهاياتهم، حتى وإن بدت هذه النهايات مباغتة أو غير مستحبة، إلا أنها فى الأول والآخر اختيارهم، والأرجح أيضاً أن بعض هذه النهايات هى وصفات مثالية، لا يمكن تصور نهايات غيرها لكل حاكم بما يمثله من سمات شخصية وسياسات وانحيازات.

هل اختار عبدالناصر أن يموت على فراشه قبل استعادة الأرض؟ واختار السادات القتل مغدوراً؟ واختار مبارك السجن؟ واختار مرسى وإخوانه العودة إلى التيه وسجون الحظر؟

مسيرة عبدالناصر الحافلة كان يمكن أن تتوقف فى أى محطة صعبة من تلك التى تجاوزها، ربما أن تفشل حركة الجيش التى أتت به للحكم من البدء ويُعلق على المشانق، أو يواجه فى حرب السويس مصيراً مثل مصير «مصدق» فى إيران، وتنتهى مغامرته بعودة الملكية، أو يقبل الشعب قراره بالتنحى بعد الهزيمة، لكن عبدالناصر امتلك المجال لصنع أسطورته بين الفقراء وعلى مستوى القارة والعالم، ووقف فى النهاية، لا يستحق الذهاب مهزوماً لحظة التنحى، ولا الانتصار الكامل ليعود منتصراً، مستعيداً ما فقده من أرض، موته يمكن أن تسميه «صيغة تاريخية مشرفة» أو «خروجاً آمناً»، يضمن استيعاب دروس الهزيمة كاملة والاستعداد لجولة النصر، الرجل الذى أنفق عمره فى العمل مات وهو يعمل، وصوره الأخيرة كانت جنازة مهيبة، بدت لأنصاره كاستفتاء على محبته، رغم التحفظات على تقصير الهزيمة وأشياء كثيرة أخرى فى السياسات والممارسات.

وتقريباً اختار السادات موته الأسطورى هذا، القائد المنتصر يموت بردائه العسكرى وسط جنوده وفى ذكرى نصره، وبرصاص التيارات التى أنشأها، وقبل أن تستحكم الأزمات الاقتصادية أكثر وأكثر، فيتبخر المزيد من الشرعية المستمدة من هذا الانتصار من تحت أقدام البطل الكبير، وقبل أن تجتاح إسرائيل لبنان، فيتبخر أيضاً مشروعه فى السلام الذى بنى عليه باقى رهاناته. الخيارات الدراماتيكية فى حياة السادات ما كان لها أن تقبل له بنهاية غير ذلك.

ومبارك اختار السجن.. وهى مسألة لا تحتاج لتأصيل، الفساد تلك نهايته المنطقية، والمعطيات فى عهده كانت كثيرة، والثورة عليه كانت واردة ومتوقعة، حتى إن مقالات ومراكز أبحاث توقعت بوضوح هذه النهاية قبل سنوات، وصَوَّره غلاف لمجلة «الإيكونوميست» كفرعون يغرق فى رمال الصحراء حتى يكاد يختفى، وبدت صورته الأولى فى القفص وكأنها ثمرة حصاده الناضجة.

واختار محمد مرسى هذه النهاية له ولتنظيمه، فى اللحظة التى انحاز فيها للتنظيم وظل يتصرف كعضو فى الجماعة وليس رئيساً لمصر، واختار الدخول فى مظلومية جديدة، تمنحه هالة مظهرية من النضال والصمود، بدلاً من حماية الوطن وديمقراطيته الوليدة بخروجه متهماً بقدر من التقصير أو الفشل.

السيسى أيضاً يصنع صورته، يراكم ما يراكم حتى يصل إلى اللقطة الأخيرة التى تبقى عالقة فى أذهان المصريين، يكتب بنفسه صفحة تاريخه، لا يكتبها أحد عنه، حتى لو كان كثير من التفاصيل السلبية التى يمكن أن تكون فى هذه الصفحة، منسوبة لأجهزة أو مؤسسات فى عهده، لكن الصورة الأساسية تبقى عنه تتقلب وتتبدل كل يوم حتى تستقر فى نهاية المطاف، بدأت فى لحظة ذروة الشعبية كبطل منقذ، واستمرت فى محاولات لإشاعة الأمل، واستقرت لوقت عند صيغة «الرئيس كويس واللى حواليه وحشين»، ومع تعثر أو تباطؤ العوائد من المشروعات الكبرى التى تبناها، وما يلمس المواطن من آثار مباشرة نتيجة الوضع الاقتصادى، تتبدل الصورة أكثر، ومع خروج قصص السجون ومَن فيها، من التوسع فى بنائها إلى درجات إشغالها المكتظة، وحتى قصص الحبس الاحتياطى الممتد كعقوبة تُرسم صورة أخرى، ومع ركن الدستور دون التزام أو تطبيق تتغير الصورة يوماً بيوم.

الأسبوع الماضى فقط كانت صورة أخرى يجرى رسمها، والدة الضحية جوليو ريجينى تتحدث فى البرلمان الإيطالى عن التعذيب الذى لحق بابنها قبل قتله، فيما تتحرك مصر ضد المنظمات الحقوقية التى تدعو لاحترام حقوق الإنسان وتناهض التعذيب، مع عزل رئيس أكبر جهاز رقابى المفترض أنه مستقل فى مصر، هذا بلد إذن لا يقدم سياسات واضحة لمكافحة التعذيب، لأنه غير معترف بوجوده من الأساس، فيما يحاصر مَن يعملون ضد التعذيب، ويحاكم حقوقيا ومحاميا شهيرا بتهمة إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب، ويعزل المراقب العام للدولة، المحصن دستورياً من العزل، على خلفية خلاف حول حجم الفساد وليس على وجوده من عدمه، وتلك صورة أخرى، وهى صورة من صنع مخرج فى الدولة يُصر بدأب عجيب على أن يزامن كل ذلك فى توقيت واحد ليصنع صورة واحدة لعهد يبدو «مع التعذيب والفساد».

يختار الحاكم نهايته، وهو يختار طريقه، ربما لا يدرك ذلك وقتها، لكن صورته الأخيرة تبقى من صنعه وحده.

sawyelsawy@hotmail.com