يتفق الخبراء الاستراتيجيون حول العالم على أن التحالفات العسكرية تنشأ لتحقيق أهداف الدول المتحالفة العسكرية والأمنية، ولعلاج خلل في توازنات القوى في منطقة ما، بما يعنى أن تلك التحالفات ليست مبدأ من مبادئ العلاقات الدولية، بقدر ما هي وسيلة من وسائل الملاءمة.
سيفسر لنا هذا الأسباب التي دعت بريطانيا مثلاً إلى النأى بنفسها عن التحالف مع الولايات المتحدة، حتى نشأ التحدى النازى، ولماذا لم تنضم اليابان إلى تحالف دول المحور عشية الحرب العالمية الثانية إلا بعد ظهور التهديد لمصالحها في جنوب شرق آسيا، ولماذا لجأت جنوب أفريقيا (فى ظل الفصل العنصرى) إلى التحالف مع إسرائيل، في ظل شعور الدولتين بالعزلة والاستهداف.
وسنفهم من تاريخ التحالفات العسكرية أيضاً أن الصبغة الأساسية لتلك التحالفات تشير إلى كونها «مؤقتة»، وأن بعضها يكون سرياً بطبيعة الحال، والأهم من ذلك أنه لا يوجد ما يمنع دولتين متعاديتين يوماً من أن تكونا حليفتين في يوم آخر.
فلم يكن التحالف الذي أبرمته إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لشن العدوان الثلاثى على مصر، في العام 1956، علنياً، كما لم يستمر طويلاً.
كما أن فرنسا وألمانيا اللتين خاضتا صراعاً مريراً، أفضى إلى احتلال هتلر لباريس أثناء الحرب العالمية الثانية، ما لبثتا أن أصبحتا حليفتين في حلف شمال الأطلسى (ناتو)، أثناء الحرب الباردة وما بعدها.
إن العالم العربى يشهد فورة تحالفات غير مسبوقة في الأوقات الراهنة، بدأت مع اندلاع الانتفاضات العربية في مطلع العقد الجارى، حيث أدت تلك الانتفاضات إلى زيادة حدة التدخلات الأجنبية والإقليمية، وأنشأت أوضاعاً أقرب إلى الفوضى، وعمقت هشاشة الدول والمجتمعات التي ضربتها، ما أنتج حالة من عدم توازن القوى، وهى الحالة التي أغرت الفاعلين السياسيين بتعظيم مصالحهم ولعب أدوار أوسع وأكثر تأثيراً.
مع اندلاع الانتفاضة في سوريا في مارس من العام 2011، بدأت إرهاصات تكوين تحالف عسكرى بين روسيا، وسوريا، وإيران، وبعض الميليشيات العراقية واللبنانية.
لقد استمر هذا التحالف في أداء الدور المرسوم له في محاولة لإحداث حالة من التوازن في القوة بين قدرات الجيش النظامى السورى من جانب والقوى المعارضة والثورية التي تستهدفه من جانب آخر.
ويبدو أن هذا التحالف لم ينجح في حسم المعركة لصالح نظام بشار الأسد، لكنه في الوقت ذاته نجح في تجميد الأوضاع، وفرض منطق تفاوضى محدد على أوضاع التسوية المطروحة، وإيقاف الهزائم والتراجعات الميدانية، لكن بتكاليف كبيرة.
على صعيد مواز، لم يكن من الممكن التصدى للتحدى الإرهابى الذي فرضه تنظيم «داعش» إلا من خلال عمل منسق بين عدد من الدول من داخل المنطقة وخارجها.
وكاستجابة للتحدى الذي فرضه هذا التنظيم الإرهابى، سعت مجموعة من الدول من خارج المنطقة وداخلها إلى تكوين «تحالف دولى ضد داعش»، وهو التحالف الذي ضم نحو 20 دولة، وتم تدشينه في سبتمبر من العام 2013.
وفى مارس من العام 2015، نجحت المملكة العربية السعودية، في تدشين تحالف عربى تحت اسم «عاصفة الحزم»، بمشاركة تسع دول أخرى، ضد جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، وأنصار الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح.
ولقد أنجز هذا التحالف تغيرا ميدانياً واضحاً، أدى إلى تغيير موازين الصراع السياسى على السلطة، قبل أن يتم إنهاء العملية، لتدشين عملية جديدة تحت اسم «إعادة الأمل»، في إبريل من العام 2015.
وإضافة إلى تلك التحالفات التي تتفاعل في المنطقة، أعلنت السعودية أيضاً عن تدشين تحالف إسلامى ضد الإرهاب، في ديسمبر من العام 2015، وهو التحالف الذي حظى بإعلان 35 دولة إسلامية انضمامها له، إضافة إلى تأييد عشر دول إسلامية أخرى.
إن ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات العسكرية في المنطقة العربية دليل على اختلال توازن القوى في هذه المنطقة من جانب، وزيادة حدة التغيرات والتدخلات الخارجية في أمنها من جانب آخر.
لكن ثمة ما يمكن أن نلحظه بوضوح في تلك التحالفات كلها، وهو أن مصر ليست دولة سائدة في أي منها، رغم قدراتها العسكرية الأكبر نسبياً من بقية المشاركين، وهى تُستدعى هنا أو هناك بشروط، ومحددات مشاركة، وقيود على الدور.
وحين دعت مصر إلى إنشاء «قوة عسكرية عربية» تم وضع العراقيل أمام دعوتها، وحين حاولت ترتيب الأوضاع ميدانياً في ليبيا واجهت الرفض والخذلان.
على مصر أن تزن سياساتها المتعلقة بالتحالفات العسكرية بما يحقق مصالحها، ويعكس حجم قدراتها الصلبة، وهو أمر لم يبد واضحاً في كافة التحالفات التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.