ربما لا يعنى الموت المفاجئ للمهندسة زها حديد الكثير لجمهور الرياضة فى مصر.. وعلى الرغم من أنها كانت من أفضل وأهم وأشهر المصممين المعماريين فى العالم كله الذى اعترف بقدرتها على إقناع الحديد والأسمنت بممارسة الرومانسية والخيال.. إلا أن زها حديد لم تكن من نجوم الميديا المصرية رغم أنها امرأة عربية وُلدت فى العراق ودرست فى لبنان وعشقت مصر والأهرامات وأم كلثوم.. وبالتالى لم تكن زها حديد ممن يمكن أن يتوقف أمامهم إعلام الرياضة المصرية وجمهورها.. لكننى أتوقف الآن أمام هذه المرأة القوية والمبدعة محترماً رؤيتها الخاصة للرياضة..
فقد كانت زها حديد من الذين اقتنعوا بأن الرياضة بعدما باتت لها كل هذه الشعبية والأضواء والتأثير على الناس وجذب انتباههم واهتمامهم.. أصبح بإمكانها قيادة التطوير والتغيير فى كثير من الأمور والمجالات، ومنها التصميم والهندسة المعمارية.. فكان أن صممت زها حديد مركز الرياضات البحرية فى لندن الذى استضاف الألعاب المائية فى دورة لندن الأوليمبية الأخيرة..
وأعادت تصميم مركز التزحلق على الجليد فى إنسبروك بالنمسا.. لكن علاقتها بكرة القدم تحديدا كانت أقوى وأكبر.. فلم تكن زها حديد من الذين يرون ضرورة أن تتشابه ملاعب كرة القدم كأن وظيفتها الوحيدة هى أن تبقى صالحة للعب الكرة.. فصممت الاستاد الأوليمبى الجديد فى طوكيو.. وعلى الرغم من انتقادات المهندسين اليابانيين الكبار لهذا التصميم واعتبروه لا يتناسب مع البيئة المحيطة به..
عادت زها حديد وصممت استاد الوكرة كأحد الملاعب القطرية التى ستستضيف نهائيات كأس العالم 2022.. ومرة أخرى واجهت انتقادات حادة بسبب تصميمها لهذا الملعب بشكل مختلف تماما عما اعتاد عليه العالم.. ولم تحفل زها بتلك الانتقادات التى كانت تتوقعها طوال الوقت نتيجة مغامراتها وابتكاراتها وجنونها الجميل والرائع.. الانتقاد الوحيد الذى أوجع زها حديد وأزعجها كان حين اتهمتها «بى. بى. سى» فى لقاء إذاعى بمسؤوليتها عن موت العمال الآسيويين أثناء بناء استاد الوكرة فى الدوحة..
غضبت زها وأكدت أنها واثقة من أن أحدا لم يمت فى استاد الوكرة بالتحديد ولم تكمل زها اللقاء الذى كان على الهواء وانصرفت غاضبة ومنفعلة.. وكانت هى المرة الوحيدة فى حياة المهندسة القوية التى تخرج فيها عن شعورها ولا تحتفظ بشموخ العظماء الذين لا ينظرون وراءهم ولا يلتفتون لأى انتقادات أو اتهامات..
وماتت زها حديد قبل أن تواصل دعوتها لتغيير شكل ملاعب الكرة والساحات الرياضية فى العالم لتغدو أكثر جمالا وأناقة.. ماتت صاحبة الجوائز العالمية والتقدير الحقيقى من معظم مؤسسات وأكاديميات العالم كله.. ماتت التى كانت تعلن طوال الوقت أن أهرامات مصر ستبقى دوماً هى العمل الهندسى الأعظم والأجمل على سطح الأرض، والتى كانت لا تضع تصميماتها العالمية إلا وهى تسمع أغانى أم كلثوم.. ماتت التى قال عنها المهندسون والمصممون والفنانون والسياسيون الكبار إنها أثبتت أن النجاح ليس فقط المال والشهرة ولكن أن يعيش الإنسان ليحقق حلما مهما بدا مستحيلا أو كان الطريق إليه شاقا وطويلا.