الإرهاب: الأصل الذى نسيناه تماماً «1»

نصار عبد الله السبت 02-04-2016 21:46

فى طفولتى وصباى كانت كلمة: «إرهاب» و«إرهابى» من بين الكلمات التى تتردد كثيرا على الألسنة فى بلدنا (البدارى ـ محافظة أسيوط) غير أنها كان لها إذ ذاك معنى مختلف عما يستخدم به المصطلح الآن.. فقد كان الإرهابى هو الشخص الذى يحمل السلاح منفردا أو ضمن مجموعة، لكى يمارس السطو والنهب والابتزاز وفرض الإتاوات.. ولا يتردد فى الإجهاز فورا على كل من لا يستجيب لمطالبه.. كان أشهر الإرهابيين فى محافظتنا وقتها يلقب بالخُط (بضم الخاء)، وإن كنت لا أعرف على وجه التحديد ماذا كان اسمه الحقيقى.. فقد شهدت نواحينا أكثر من واحد لقبوا بهذا اللقب بدءا من الخط الأصلى الذى اتخذ من قرية درنكة مسرحا للجرائم التى ظل يمارسها حتى قرب منتصف القرن الماضى والتى بلغ عدد ضحاياها نحو عشرين قتيلا وما يقرب من ضعف هذا العدد من المصابين الذين كتبت لهم النجاة، بالإضافة إلى عدد كبير من المساكن والمزروعات التى تم إحراقها أو إتلافها على سبيل الانتقام من أصحابها الذين لم يذعنوا لمطالبه أو الذين أذعنوا ولكن بدرجة أقل من المطلوب!!.. فى تلك الحقبة لم يكن للإرهاب فى مخيلتنا أى مدلول سياسى.. حتى تلك الجرائم التى كانت ترتكب بين الحين والحين لدوافع سياسية لم يكن الناس فى عموم محافطتنا يحبذون وصف مرتكبيها بالإرهابيين.. فقد ظل هذا الوصف حكرا على النموذج الجنائى الذى يمارس الإرهاب بمعناه الأصيل الذى تحدثت عنه منذ قليل!!.. وعندما كان أحد كبار المسؤولين الأمنيين فى المحافظة يصرح بأن الدولة عازمة على القضاء التام على الإرهاب، وأنها لن تسمح بوجود إرهابى واحد، فقد كان المقصود بالإرهابى بطبيعة الحال هو ذلك الذى يتوجه بإرهابه إلى المواطنين وحدهم لا إلى النظام السياسى، والحق يقال إن نظام عبدالناصر قد نجح نجاحا كبيرا فى هذا المجال، فكما اتسعت معتقلاته لكى تشمل خصومه السياسيين السلميين وغير السلميين بمختلف أطيافهم، اتسعت تلك المعتقلات أيضا لكى تشمل العناصر الخطرة جنائيا (أى الإرهابيين بالمعنى الأصيل للكلمة)، وبذلك أفلح النظام ـ ولو مؤقتا ـ فى تأمين نفسه من ناحية وفى تأمين المواطنين من تلك العناصر الخطرة من ناحية أخرى!!، غير أن الحال قد اختلفت فى عصر الرئيس السادات نتيجة لعوامل كثيرة من بينها تزايد الهجرة إلى دول الخليج التى يسود بعضها الفكر الوهابى الذى لا يتقبل ولا يتسامح مع ما عداه، ومن بين هذه العوامل كذلك سياسة الرئيس السادات نفسه الذى حاول أن يستثمر تصاعد المد الدينى وأن يوظف بعض القوى الإسلامية الموالية للنظام لتصفية بقايا النظام الناصرى فى الجامعات طبقا للخطة التى وضعها أحد أنصاره وهو محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الأسبق (كان هو أول محافظ يعينه السادات بدرجة وزير رغم أن المحافظين وقتها كانوا جميعا بدرجة نائب وزير!!)، وقد تغاضى السادات عن التنامى السريع لتلك الجماعات، ربما لأنه تصور أنها ستظل فى الطوع إلى نهاية المطاف. وقد ترتب على ذلك التنامى أن حقبة السبعينيات كانت بداية لتغير معنى كلمة «إرهابى» فى أذهاننا، فقد ظهرت جماعات كثيرة لا تستخدم القوة فى الحصول على غنائم مادية، بل تستخدمها ضد المجتمعات الكافرة- حكامها دائما لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله.. ومحكوميها أحيانا لأنهم لا يؤمنون بالإسلام على الوجه الذى يتصوره أنصار تلك الجماعات.. وللحديث بقية.

nassarabdalla@gmail.com