«الكذبة تقطع نصف الرحلة حول الأرض قبل أن تُتاح للحقيقة فرصة لترتدى لباسها».. تشرشل.
■ الكذب هو أول ما يخطر على البال مع قدوم شهر إبريل. فهو يبدأ بالكذب ولو كان مزحا. وكذبة إبريل هو الاسم المحلى لتلك الظاهرة، التى بدأت فى الغرب، ربما فى فرنسا، فى القرن السادس عشر، ومنها انتشرت فى معظم أرجاء العالم، وتسمى فى فرنسا «سمكة إبريل»، وفى إنجلترا «يوم حمقى إبريل». وفى ألمانيا «يوم المزاح»، وفى بعض دول الشمال «يوم الذيول» تعددت تفسيرات الأسباب وراء الاسم والمناسبة، وإن كانت الممارسة المرصودة للاحتفال بذلك اليوم واحدة تقريبا لدى معظم الشعوب، فهى ترتكز على الكذب مزحا.
تداعيات «إبريلية»
■ «إبريل هو أشد الشهور قسوة».. هكذا افتتح تِ. إس. إليوت «Eliot»، أحد أهم شعراء الحداثة الإنجليزية، قصيدته الشهيرة «أرض الخراب». إبريل هو شهر الربيع فى أوروبا.. وربيع «إليوت» لا يأتى مختالا ضاحكا مثل ربيع «البحترى»، فهو العنيف حين «تشق بذور أزهار الليلاك الأرض الميتة بقسوة». ربط الشاعر بين القسوة والربيع- بالرغم من أنه لم يكن هناك أى ربيع عربى فى عشرينيات القرن الماضى- لم يستمد وصف شهر إبريل بالقسوة من أشخاص وُلدوا فيه أو أحداث جرت خلاله. ففى هذا الشهر، وُلد كثير من العتاة القساة من القادة الذين غيّروا مسار التاريخ بتسلطهم وأكاذيبهم ودمويتهم. أمثال بسمارك، ولينين، وهتلر، وخروتشوف، وسالازار، وصدام حسين.. مصادفة عنيفة.. وفى إبريل أيضا وُلد بعض أشرس الإرهابيين، مثل أنور العوالقى، وعبدالحميد أباعود، بل تمتد العلاقة بين مواليد إبريل والعنف إلى عالم الخيال.. السينما، ففى إبريل أيضا وُلد زعماء مافيا فيلم «الأب الروحى» مارلون براندو، وآل باتشينو، وأيضا مخرج الفيلم «كوبولا»، وفى هذا الشهر وقعت فواجع ومآسٍ. ففى إبريل اغتيل «إبراهام لنكولن» 1865، وغرقت الباخرة الأشهر «تيتانيك» 1912، واغتيل الناشط ضد العنصرية مارتن لوثر كينج 1968.
■ لكل جماعة بشرية أو أمة أو شعب معيار قيمى تراتبى لأولويات السلوكيات، من حيث القبول والرفض، والكذب كسلوك إنسانى مرفوض نظريا فى كل ثقافات الأمم والشعوب والمجتمعات. ولكن تختلف حدة ودرجة استنكاره، وفقا لترتيبه فى جدول السلوك المرفوض من مجتمع لآخر. وإن كان الجميع يلجأ إليه، سواء اضطرارا أو اعتيادا واحترافا.
■ للكذب أشكال وأحجام وألوان.. أحمر.. أبيض.. أسود.. كما أن له أسماء عديدة وفقا للسياق. القادة والحكام يسمونه «سياسة»، وفى بعض السياقات الدينية يندرج تحت اسم «التقية» أو «الضرورات تبيح المحظورات». وفى سياق الحروب بأنواعها هو «الشائعات» و«الخدعة». وفى السياق الفنى والأدبى «خيال»، و«أعذب الشعر أكذبه»، والشعراء «يقولون ما لا يفعلون». وفى سياق التسلية والتسرية، غير الضارة، نسميه «الفشر». والكذب الصراح فى حياتنا، ومن خلال معايير قيمنا المجتمعية- والسياسية- السائدة هو مجرد «سلوك غير مرغوب»، فهناك ما هو أولى وأهم منه بالاستنكار أو التجريم. والمهم اتباع العادات والتقاليد السائدة، الملابس اللائقة.. أداء الشعائر الدينية، وأن تسجد بعد إحرازك الهدف.. شكراً لله على انتصارك على الفريق المنافس- المصرى أيضا. كل هذه أشياء لها الأولوية، وهى أهم من الكذب والصدق والكلام الفارغ.
■ فى بعض المجتمعات- غير العربية- الكذب، بصفة عامة، هو «سلوك مستبشع»، جريمة فى أول جدول معايير السلوك المرفوض، سياسيا واجتماعيا. وهنا لا نتكلم عن كذب رجال السياسة «المحبوك»، فهم كاذبون فى كل العصور وفى كل البلاد. ومع ذلك فإن العِبرة ليست فى أن تكذب، العِبرة ألا تُضبط متلبسا بالكذب. إذ إن الثمن فادح.. عندهم.. هناك.. وقد يكلفك كرسى الرئاسة، مثلما حدث مع الرئيس الأمريكى «نيكسون» بعد فضيحة «ووترجيت».. إذ «تنصت» رجاله على مقر الحزب «الديمقراطى» المنافس.. وكذب وأنكر أنه كان يعلم ذلك، وحينما ثبت كذبه أُجبر على الاستقالة. ومن أكبر الأكاذيب التاريخية الحديثة، لا آخرها، أكذوبة «أسلحة الدمار الشامل لدى صدام»، تلك التى كانت تكأة لتدمير العراق وتقسيمه. ولكنه كذب «مغفور»، إذ كان مبرره «المصالح الأمريكية البترولية»، ولم يكتشف إلا بعد انقشاع غبار الحرب، ولم يكن لأغراض شخصية، مثل كذب «نيكسون». والبعض من الناس يعتبر صبغة الشعر نوعا من «كذب السياسيين»، فالمستشار الألمانى السابق «شرودر» تعرض للنقد الشديد حينما سرت الشائعات بأنه «يصبغ شعره»، مما يبين محاولة للكذب على الشعب فيما يتعلق بعمره الحقيقى وحالته الصحية والنفسية. فما كان منه إلا أن خرج إلى الإعلام وأنكر ذلك تماما.
قالوا عن الكذب:
■ «سيكذب ببراعة تجعلك تعتقد أن الحقيقة هى الكذبة». «شكسبير- العبرة بالخواتيم».
■ لا أحد يملك من الذاكرة ما يجعله ينجح فى الكذب طوال الوقت.
■ يميل الناس إلى تصديق القديم، ولو كان أكاذيب، لا الجديد ولو كان حقائق.
■ لا تحاول أن تدمر حياة أحد بالأكاذيب، بينما من الممكن أن يدمر هو حياتك بالحقائق.
■ الأكاذيب مثل كرة الثلج، تكبر مع استمرار دورانها. «مارتن لوثر».
■ «الكدب مالوش رجلين». مثل مصرى.
■ «الكدب مالوش رجلين يقف عليها، ولكن له أجنحة يحلق بها بعيدا وعاليا». مثل صينى.
■ دراسة أخيرة أظهرت أن معظم أكاذيب الناس تكون فى شكل رسائل موبايل، وبصفة خاصة حينما يكتبون عبارة: «آسف.. لم أشاهد رسالتك إلا الآن».
■ الكاذب يعانى مرتين، فهو لا يصدقه أحد، ولا يصدق هو أحدا.
■ وأخيراً «كذب مستف ولا صدق منعكش». وهو مثل مصرى ليتنا نتبعه، على الأقل إذا عجزنا عن تستيف صدقنا.
■ العقاد والمجلس الموقر من محضر جلسة اجتماع مجلس النواب فى مثل هذا اليوم 3 إبريل 1930: عباس محمود العقاد أفندى: ملاحظتى لغوية لفظية، فاللجنة تقول فى تقريرها: «ولا يفوتنا أن ننوه بحالة الضيق المشاهد فى الأرياف»، والتنويه فى اللغة هو الذكر مع الثناء، ولا نظن أن اللجنة تعنى أن تنوه بالضيق فى البلاد على هذا المعنى، ويظهر أن اللجنة مولعة بكلمة «نوه» فقد ذكرتها عدة مرات على غير ما يجب أن تُذكر، من ذلك أنها قالت «تنوه إلى...» والصواب «تنوه بـ»، وأعتقد أن التصحيح اللغوى مما يهمنا فى هذا المجلس الموقر (تصفيق).