غرباء... وهذا اللامعقول...!!

سيلڤيا النقادى الجمعة 01-04-2016 21:26

ربما وأنت تقرأ هذا المقال ‪،سوف تشعر بهذه «الشوشرة» المزعجة، التى ينقلها لك قلمى ويأخذك إلى أحداث متفرقة ربما تحمل صلة لبعضها… أو لا صلة… لكنها كلها تندرج تحت معنى نشعر به جميعا، وهو هذا «اللامعقول» الذى أصاب البشر وحولهم إلى غرباء عن كوكب هذا الأرض… فلا تنزعج وأنت تقرأ السطور القادمة وتجدنى أتحرك بك شرقا وغربا، ثم أعود بك إلى الديار، ثم أتحرك بك مرة أخرى… أليس هذا هو حالنا الآن….؟؟… المهم:

فى الأسبوع الماضى، كنت أقود سيارتى السوداء اللون قادمة من نفق الأزهر متوجهة إلى وسط البلد عبر شارع عدلى … كان المرور كالعادة مزدحماً وإذا بى فجأة أقف أمام ڤاترينة محلات ريڤولى الشهيرة سابقا، والتى اكتست كلها طولها وعرضها وبطابقيها الاثنين باللون الأسود!!….

للوهلة الأولى تصورت أنها مرآة ساحرة عكست صورة سيارتى بهذا الحجم المهول حتى تأكد نظرى أنها ليست مركبتى بل هى عباءات نسائية سوداء اللون تعرضها «المانيكانات» الخشبية بڤاترينة الدور الأول.. أما «اللى فوقه» فكان أكثر حشمة وخصص لأزياء النقاب بالكامل… عند هذه الصدمة لم أتمالك نفسى أو أعصابى وقمت معطلة للمرور بإخراج موبايلى والتقاط صورة لهذا المشهد الذى أعادنى فورا بالذاكرة إلى الأيام التى كانت تصحبنى فيها والدتى للتسوق فى وسط البلد، وكانت تبرق عيناى الصغيرتان من جمال الأزياء… ألوانها … بهجتها … أناقتها وروعة عرضها … لم أكتف بالتصوير فقط بل قمت بنشر هذه الصورة على صفحتى بالفيس بوك معلقة على هذا المشهد تاركة مساحة للتعليق من الأصدقاء… الأمر الذى أدى إلى مفاجأة أخرى وهى حجم المشاركة لهذه الصورة من أكثر من ٨٠٠ شخص - ٩٥٪ منهم لا أعرفهم، بالإضافة إلى أكثر من ٥٠٠ تعليق و٤٥٠ طلب مصادقة- كل ذلك فى خلال ٤٨ ساعة فقط - وهو الأمر الذى أدى بى إلى حجب هذه الصورة من على صفحتى حتى لا أتلقى المزيد!!!

ارتسمت على وجهى ابتسامة وأنا أتابع هذا الموقف، ولكنها كانت ابتسامة يشوبها الحزن من هذا التعطش الذى عبرت عنه هذه الكلمات التى خرجت من الأصدقاء تستغيث بالحال الذى وصل بثقافتنا التى تنازلت عن أصلها وهويتها واستمدت هوية أخرى رفرفت عليها بهذا الجلباب الأسود القادم من بلاد وثقافات أخرى يربطنا بها الدين واللغة ويفصلنا عنها تاريخ وهوية وجذور كان علينا التمسك والاعتزاز بها وعدم التفريط فيها!!! بدلا من الترويج عبر الڤاترينات الزجاجية لثقافات أخرى عبر محلات فى قلب العاصمة من المفترض أن يكون دورها إرساء المعايير للذوق العام، كما كانت تفعل فى أزمنة سابقة- للأسف- لم تشاهدها الأجيال الجديدة، ولم يتمسك بها المسؤولون عن بقائها… صيانتها وتطويرها للغة العصر الحديث.

وبالرغم أن الكثير من التعليقات جاء عبر أسماء يحمل أكثر من ٩٠٪ منها الديانة المسيحية- وهو ما يدل على الرغبة فى العودة للنسيج الواحد الذى تذوب فيه وتنصهر الديانات والهوية الواحدة إلا أن هناك أيضا انجرافا ومقاومة من فئات كانت تجد فى مبرراتها حرية «العرض والطلب»، بالإضافة إلى تطرفها وأفقها المحدود ومعتقداتها الكارهة…. النابذة لأى عقيدة تختلف عن عقيدتها؟! وهو ما ينقلنا للحديث عن الطرف الآخر من العالم الذى يتفتك وتتناثر أشلاء ضحاياه الأبرياء على أيدى رافعى الأعلام السوداء!!! الذين يتم استقطابهم… تجريف عقولهم…. إلغاء هويتهم… مسح ثقافاتهم باسم دين برىء من صوتهم وتكبيراتهم… أفعالهم… إيمانهم… وحتى زيهم.

وصحيح أن العلاقة بين قصة الڤاترينة السوداء بوسط البلد وبين هذه الأحداث الشنعاء غير متجانسة فى حجم وقعها إلا أننى أجد حبلا يربط بين الاثنين يبدأ عندما تنجح «الأغراض» فى فصل الثقافة والهوية عن جذورها ليصبح من خلالها البشر غرباء عن أوطانهم.. «ريش» ضائعة.. هائمة تبحث عن مستقر يحمل لها هوية جديدة، تنضم إليها… تسكن لها… تنتمى لها حتى لو كانت التكلفة هى حياتها.

مواجع على الطريق … طريق السير وطريق الحياة عندما يدمى القلب وهو يرى «رجالا ونساء» انكسر كبرياؤهم وتحطمت عزتهم وكرامتهم وهم يفقدون أوطانهم وينفصلون عن أصولهم هربا من الموت إلى موت آخر، لأن هناك من عبث بالهوية.. وهناك من سلمه شعبه مسؤولية الحفاظ عليها وحمايتها وتحصينها ضد أى غزو وعدوان!!!!

مواجع يدمى لها القلب، وهو يرى طفلا لاجئا يرتجف من صقيع الماء والهواء، وطفلا آخر… فى بلد آخر يضىء شمعة على روح صديقه الصغير الذى انشطر جسده مع مئات آخرين- ضحايا لغة الأعلام السوداء- ولن يعود للعب معه مرة أخرى.

selnakkady@gmail.com