فى العام 2012 تم إطلاق اسم محمود بسيونى على زاوية صغيرة فى أحد شوارع شيكاغو الأمريكية، إنه ليس محمود بسيونى المسمى باسمه الشارع الهادئ فى وسط البلد، لكننا لم نبتعد كثيرا، إذ إن «بسيونى الأمريكى» هو حفيد بسيونى المصرى، ابن نجله شريف، وهو ليس مجرد خبير قانون دولى بل أحد أهم رواد القانون الجنائى الدولى فى العالم، وكانت شيكاغو تحتفل بعيد المولد الخامس والسبعين للبروفسور الذى يدرّس فى جامعتها الشهيرة.
لكن شارع محمود بسيونى المصرى ورغم قصر امتداده إلا أنه أكبر بالتأكيد من تلك الزاوية فى شيكاغو، بين ميدانين مهمين يمتد ويصل، أولهما قديم «ميدان طلعت حرب» الذى حل تمثاله واسمه مكان سليمان باشا الفرنساوى، وعلى الناحية الأخرى ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض وتمثاله الذى نحت للأسف بعد نهاية عصر النحاتين العظام، بين الميدانين: القديم الصغير الجميل والحديث الكبير القبيح، يمر شارع محمود بسيونى هادئا كما لو كان غير موجود، يبدأ بين شارعيّ ميريت ومحمد حجاج من ناحية عبدالمنعم رياض، ومبنى قديم من طابقين يقف مستقلا ومتداعيا فى مدخله، وينتهى قبل طلعت حرب بشارع «سدّ» هو «كريم الدولة» الذى رغم صغر مساحته طالما شهد أحداثا وتظاهرات وصراعات ثقافية كبرى، كيف لا وهو يحتوى على أول منبر رسمى شرعى منح لليسار المصرى «حزب التجمع»، وجمعية الفنانين والأدباء الشهيرة باسم «أتيليه القاهرة».
غير أن الأحزاب وفعاليات الثقافة غير غريبة على أى شارع فى وسط البلد، وإنما يمتاز محمود بسيونى ببقايا كوزموبوليتانية اختفت من معظم شوارعها، تبقى منها المدخل الذى يبدو عاديا لعمارة هائلة المساحة هى عمارة جروبى (1400 متر مربع)، من هنا على يسار الداخل إلى محمود بسيونى، فى الطابق الثانى يقع المقر الكبير للنادى اليونانى، بصالته الشتوية وشرفته الصيفية، مازال بموسيقى يونانية– مقطوعة زوربا غالبا- يستضيف أعضاء بقايا الجالية الذين كان النادى حصرا لهم، قبل أن يسمح للمصريين منذ سنوات ليست بالبعيدة جدا، غير أن اسما يونانيا آخر ذا إقبال كثيف لا يتناسب وحجمه الصغير، هو أورفانيدس، أحد سلسلة المحال الصغيرة القليلة المتبقية لبيع الخمور، يقع هنا بمدخل جانبى له بوابة حديدية على ناصية شارع حسين المعمار، والأخير أحد الشوارع والمداخل العديدة فى محمود بسيونى، ممرات وشوارع صغيرة تكاد من فرط هدوئها أن تنسى وجودها: الممر المؤدى إلى مقهى فؤاد مهران الشهير بمقهى أفتر إيت، ثم ممر الجوريون فى مواجهة حسين المعمار، وبعد أن تمر من تقاطع شامبليون العريض مع محمود بسيونى، ماشيا باتجاه عبدالمنعم رياض، تزداد الشوارع والعطفات الصغيرة على يمينك لتصل بطرق معقدة إلى شارع رمسيس، فى مواجهتها المبنى الكبير الهائل لمدرسة الراهبات الفرنسيسكان يحتل رقما مميزا هو 7 شارع محمود بسيونى، فى إحدى العطفات المواجهة، ومؤخرا جدا امتدت بشكل خجول كراسى مقهى فى السنوات الأخيرة، لكنها لم تتجرأ على الوصول إلى مجرى شارع محمود بسيونى، ثمة لغز غامض «يحمى» شارع بسيونى من المقاهى، حتى المقهى الأشهر هنا– جروبى– تنفتح أبوابه على طلعت حرب وقصر النيل، فى محمود بسيونى يمكن أن تشترى المخبوزات من أوله أو الأدوية من إحدى صيدلياته أو الزهور أو الملابس الزهيدة من جمعية أبناء المحلة التعاونية، والحلوى السورية أو الهدايا الفرعونية أو البيرة والنبيذ فى كيس أسود، لكنك دائما ستشترى وتمر، لا مقاهى لتجلس فيها على أى من أرصفة محمود بسيونى.
محامى المحاماة
هو أحد ثلاثة محامين تولوا رئاسة مجلس الشيوخ المصرى فى العهد الملكى، الآخران هما «محمد حسين هيكل» و«محمد محمود خليل»، أسماء باشوية عريقة وليس محمود باشا بسيونى بأقل منهما، محام صعيدى من عائلة كبيرة ذات أراض فى أسيوط، قاد التظاهرات الجنوبية فى ثورة 1919، وبعد الاستقلال ودستور 1923، ترشح بسيونى– وكان لا يزال «بك»- وفاز بسهولة فى أول انتخابات لمجلس الشيوخ، وما لبث أن انتخب أيضا رئيسا للمجلس نفسه، بينما انتخب ويصا واصف– وهو محام أيضا- لرئاسة مجلس النواب الذى طالما ضم محامين أكثر بكثير، سبعة منهم تولوا رئاسته أشهرهم بالطبع سعد زغلول ومصطفى النحاس، ثم محمود بسيونى نفسه أيضا فيما بعد.
فى 1928 انقلب الملك أحمد فؤاد– كعادة العائلة الملكية- ضد حزب الوفد، أقال الحكومة وكلف محمد محمود بتشكيلها، الأخير أمر بحل مجلسى الشيوخ والنواب معًا، لم يعترف المجلسان بقرار الحل، واجتمع محمود بسيونى على رأس «الشيوخ» و«ويصا واصف» على رأس النواب خارج البرلمان الذى أغلقته الحكومة، وأصدرا قرارا بسحب الثقة من حكومة محمد محمود، واحتدمت الأزمة وتدخل فيها الإنجليز، إلى أن استقالت الحكومة وجاءت حكومة عدلى بعد عامين، وأجريت انتخابات جديدة.
وكان من نصيب بسيونى بعد سنوات تولى رئاسة المجلس الآخر، مجلس النواب مرتين، من مايو 1936 إلى أغسطس 1937، ثم من نوفمبر 1937 إلى مايو 1938، كانت تلك الفترة المضطربة ما بعد معاهدة 1936 بين النحاس والإنجليز.
لكن الرئاسة التى ربما تكون الأهم لمحمود بسيونى، هى رئاساته المتتالية لنقابة االمحامين المصريين، فى الأعوام، 1927، و1928و 1929، ثم فى العامين 1932 و1933، ثم فى الأعوام 1939 و1940، و1949 و1941، إنه النقيب الأكثر توليا منصب النقابة، لكن الأهم أن فى عهده صدر قانون 135 لسنة 1935، والذى نص على «حصانة المحامى»، ليحمى لأول مرة أًصحاب الأرواب السوداء.