(1)
سألت قبل أسبوع: من يشاركني كتابة هذا المقال؟ ودعوت كل من يريد التعبير بالكلمة أن يتفاعل معي في هذه المساحة، لكن الاستجابة لم تكن بالقدر ولا بالكيفية التي تسمح لي بالاختيار والتفاعل، فقد وصلتني مقالات متعجلة أقرب إلى «بوستات الفيس بوك»، كما وصلتني خواطر، وشكاوي، وكتابات سريعة عن مواقف وتجارب شخصية لا تمثل قيمة إلا لكاتبها. وسألني البعض عن حدود التدخل والرقابة على مقالاتهم إذا فكروا في الكتابة، وطلب آخرون المزيد من التوضيح لفكرة المشاركة والتفاعل، واقترح غيرهم وسائل تواصل أسرع من الإيميل (الواتس أب مثلاً)، وعلى كل حال، فقد تعاملت مع حصيلة المشاركات التي وصلتني بكثير من التفاؤل، وطردت من رأسي أشباح الإحباط، لأنني أدرك أن النتيجة التي نرجوها لن تكون جاهزة، بل إن أهميتها ستأتي من التفاعل، وتتطور مع الوقت، والحوار، والتفكير الجماعي.
(2)
أبدأ هذا الأسبوع برسالة ذكية وصلتني من المهندس إبراهيم تاج الدين، يعلق فيها على موضوع التفاعل بين الكاتب والقارئ فيقول: بعد أن كان التواصل مع الكاتب يأتي لاحقاً (بعد نشر المقال)، أنت تريده الآن سابقاً (بحيث يشارك القارئ في كتابة المقال ولا يكتفي بالتعليق عليه)... يعني يصبح الكاتب والقارئ «قلما واحدا».. من يصدق؟!
لقد جالت بخاطري هذه الفكرة عن سرعة الاتصالات التي جعلت العالم صغيراً (ربما أصغر من القرية التي بشرنا بها مارشال ماك لوهان).. لعلكم تتذكرون معادلة بسيطة جداً درسناها جميعاً تحت اسم «قانون المسافة»:
(ف = ع × ن).. حيث (ف) = المسافة، و(ع) = السرعه، و(ن) = الزمن.
تعالوا معي نطبق هذا القانون على حراكنا الاجتماعي، أو إن شئنا الدقة على سرعة الإيقاع التي تشمل كل أمور الحياة الآن على كوكبنا الأرضي الجميل.. فعندما زادت سرعة التواصل (ع ) حتى أصبحت تساوي ما لا نهاية، فإن زمن التواصل (ن) أصبح = صفر، لأن أي رقم مهما كبر إذا قسمناه على (ما لا نهاية) ستكون النتيجة لا شىء، وبما أن زمن التواصل انتهى وأصبح صفراً (ن = صفر)، فإن المسافة أيضا تصبح (صفراً).. وهذا يعني مسافات الفكر والتبادل الحضاري بين الناس صارت معدومة، لكن (للأسف) مازال أكثرنا يعيش في الماضي، ولا يستطيع عبور الحواجز التي بداخله برغم أن المسافات انتهت عملياً بين الناس!
* الكاتب: إبراهيم تاج الدين ياسين.
(3)
في «سكسونيا» القديم، كانوا إذا سرق الفقير حاكموه، وإذا سرق الغنى شجعوه، ونحن في مصر (والقاضى يوظفه أبوه المستشار) نحبس طفلا أكثر من عامين رهن التحقيق في قضية ارتداء قميص عليه شعار إنساني يتفق عليه العالم كله (لا للتعذيب)، بينما نُعَجِّل بمحاكمة متهمة في قضية دعارة ونبرئها بعد 18يوما فقط!
في «سكسونيا» يخافون من مصير سوريا والعراق، وفي مصر يغني الشعب للرئيس: «ورينى أنت الإخلاص وأنا أضحى مهما قاسيت»، بينما الحكومة تدافع بشدة عن تخفيض سعر الغاز لمصانع الحديد ليذهب دعم الدولة لحيتان الحديد، بينما المواطن الغلبان يعاني من فاتورة الغاز في مسكنه الضيق.
في «سكسونيا» كانت الحاشية تكتب المدائح ليل نهار في السلطان، وفي مصر انتهى التعليم، فتوقف الجهلاء عن كتابة الأشعار، وتحولت فرقة السلطان بالكامل إلى «طبالين» يعزفون ليل نهار موال النفاق على نغمات كلها نشاز، بينما موكب الراقصين يتجه في غيبوبة نحو الجحيم..!
* الكاتب: عبده شحاتة عبدالفتاح
(4)
أنتظر المزيد من كتاباتكم، وأتمنى أن نهتم بالإبداع الأدبي والتجديد في اللغة والأسلوب وفنون التعبير.. أتمنى أن نكشف عن مواهبنا وإبداعاتنا، وألا نكتفي بالشكاوى اللاذعة، والهجاء السياسي، وآهات الوجع وصرخات التنفيس... أطمح إلى ما هو أجمل وأبعد، وأثق بأنني سأجد لديكم المدهش والممتع، فاكتبوا.. اكتبوا.
جمال الجمل