■ كتبت فى هذا المكان، مع مطلع هذا العام، وتحديداً فى عدد «المصرى اليوم» الصادر 7 يناير الماضى مقالاً بعنوان، «كارثة أمام قضايا الضرائب فمن ينقذها»، وبعدها بأسبوع واحد كتبت فى عدد الأهرام، الصادر 13 يناير، مقالاً آخر، بعنوان «إهمال المشرِّع يزلزل أحكام القضاء»!!، وفى مؤتمر اقتصادى عقد فى ذات اليوم، دعت إليه جمعية الضرائب المصرية، حضره وزير المالية السابق - نشرت عنه جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 13 يناير - أثيرت هذه القضية على مائدة الحوار، فكان رد الوزير أنه طلب من المحكمة الدستورية العليا تفسيراً لحكمها الذى صدر منذ يوليو 2015 بإحالة جميع المنازعات الضريبية إلى القضاء الإدارى، ومدى سريان ذلك على المنازعات القديمة التى ظلت متداولة وصدرت فيها أحكام من القضاء العادى منذ صدور قانون مجلس الدولة عام 1972 كل ذلك حدث فى مواجهة هذه القضية من كتابات وحوارات ولا حياة لمن تنادى!!
■ وبرغم أن الكتابة لم تكن فى السياسة، أو برأى مخالف، لكنها تعبر عن قضية حالة تخص المجتمع الضريبى بأسره.. وتتصل بمصلحة البلاد ومواردها المالية، سواء الدولة أو الأفراد على السواء، وكان إعمال الكلام خيراً من إهماله، ومع ذلك ظلت القضية على حالها واستمر صدور الأحكام فى القضايا من جميع درجات القضاء العادى «النقض - الاستئناف - الابتدائى»، بعدم الاختصاص والإحالة إلى القضاء الإدارى تطبيقاً لحكم المحكمة الدستورية العليا.. وانهالت بعدها القضايا على مجلس الدولة.. من جميع المحاكم العادية بجمهورية مصر المحروسة.. واكتظت أروقة مجلس الدولة بملفات القضايا والأحكام، ولم يعد لها مكان فيه، بعد أن ضاقت بها الطرقات حتى بعد أن خُصص لها مكان للتكدس.. بالعباسية!!
■ والقضية حضرات السادة أغرب من الخيال ولا يصدقها العقل، وتخص ملايين القضايا الضريبية، سواء أموال الضرائب المستحقة للدولة.. أو أموال الممولين وحقوقهم لتعود القضايا إلى بدء حياتها من جديد، بعد أن ظلت متداولة أمام المحاكم العادية تحال إلى الخبراء وتصدر فيها الأحكام ويُجرى عليها الطعن منذ صدور قانون مجلس الدولة عام 1972، حيث ظلت تنظرها المحاكم العادية، بسبب عدم صدور قانون إجراءات أمام محاكم مجلس الدولة يحدد إجراءات نظرها والفصل فيها وبما يتفق مع طبيعة المنازعات الضريبية، ظلت طوال السنين تنظرها المحاكم العادية بدرجاتها المختلفة على مدى أكثر من أربعين عاماً، لأن قانون الإجراءات الإدارية لم يصدر من وقتها وحتى الآن!!
■ والحال على هذا النحو ظل مستقراً منذ السبعينيات، ترفع القضايا.. وتمتد جلسات المرافعة وتحال للخبراء لسنوات، ثم تصدر فيها الأحكام.. وتُستأنف من الجانب الخاسر ثم يُطعن فيها أمام محكمة النقض.. لتظل فى الطابور حتى يأتى عليها دورها ولو بعد حين.. وأمام محكمة النقض طعون ضريبية حتى الآن لم يُحدد لها جلسات منذ خمسة عشر عاماً وتحديداً السنة 70 قضائية أى منذ عام 2000 أى ستة عشر عاماً!!
■ وفجأة وبعد طول الزمن فاجأتنا المحكمة الدستورية العليا بالحكم الصادر بجلسة 25 يوليو 2015، لتقضى بعدم دستورية مادة قانون الضرائب التى حددت اختصاص المحاكم الابتدائية لنظرها، رغم أن ذلك الاختصاص كان منذ زمن بعيد معقوداً لمجلس الدولة منذ نشأته عام 1946، وأن قانونه الحالى منذ عام 1972 كان يعلق سريان الاختصاص بنظر المنازعات الضريبية على صدور قانون للإجراءات لم يصدر بعد، حتى قضت المحكمة الدستورية العليا بعد أربعين عاماً بأن عدم صدور قانون الإجراءات لا يعد مبرراً لاستمرار القضاء العادى بنظر المنازعات الضريبية وأن هذا النص غير دستورى لأن فيه عدواناً على اختصاص القضاء الإدارى!!
■ والغريب فى الأمر أن المحكمة الدستورية العليا لم تحدد لسريان حكمها موعداً رغم أن هذا حقها، حماية للمراكز القانونية والمالية ودرءاً للإضرار بها.. اضطراباً يستحيل الفكاك منه!! وترتب على حكم المحكمة الدستورية العليا اضطراب كامل، إذ قضت جميع المحاكم العادية سواء محكمة النقض أو الاستئناف أو الابتدائى بعدم الاختصاص وإحالة القضايا إلى مجلس الدولة لنظرها من جديد!! وبعد أن صدرت فيها أحكام القضاء من درجات متعددة على مدى أكثر من عشرين عاماً حتى وصلت إلى النقض.. وبعد أن مضى عليها الزمن وتبدد جهد القضاة.. وضاعت معاناة المتقاضين فى خبر كان!!
■ خطورة ذلك يا حضرات أن عدد القضايا التى تبدأ سيرتها الأولى من جديد بلغ الملايين.. وأن مفاجأة حكم الدستورية لمجلس الدولة - ولم يكن مستعداً لهذه المفاجأة - تجعله لا يقوى على تحمل هذا الكم الهائل من القضايا دفعة واحدة لنظرها والفصل فيها، والمتقاضون من بقى منهم حياً لا يقوى على تحمل تلك المعاناة مرة أخرى.. ومصلحة الضرائب لا تتحمل أن تعود إلى الوراء حتى ولو كانت خاسرة.. فالأضرار تصيب أموال الضرائب.. وحقوق الممولين معاً كما تصيب العدالة فى مقتل لأن القضايا أمام مجلس الدولة سوف تبدأ حياتها بهيئة المفوضين.. ثم الخبراء من جديد.. ثم جلسات المرافعة والحكم وبعدها الطعن، وكل ذلك سوف يستغرق حياة المتقاضين!! ولن تجد القضية حلاً إلا بأداة تشريعية عاجلة تواجه هذا الطوفان من القضايا المتراكمة.. والمنازعات القديمة التى بدأت وصدرت فيها أحكام القضاء خلال مراحل حياتها وحتى وصلت محكمة النقض، لحماية المراكز القانونية واحتراماً للأحكام التى صدرت من المحاكم حتى ولو كانت غير مختصة، لأن استمرار الاختصاص وصدور الأحكام كان يسبب الاضطراب التشريعى، والتفسير المتشدد للنصوص عند التطبيق وإهمال المشرع وتراخيه على مر الزمان!!
■ مازالت القضية يا حضرات تبحث عن حل.. ولا تحتمل التأخير أو السكوت والنسيان، ولسوف تظل القضية فى رقبة الحكومة التى عجزت عن الحل.. وفى رقبة البرلمان الذى عليه أن يبحث عن حل تشريعى لحماية أموال الضرائب وحقوق الناس ومراكزهم القانونية، درءاً للخطر ودفعاً للضرر العاجل والمستمر الذى لا يقوى المجتمع على تحمله ولا يحتمل التأخير.. وقبل فوات الأوان!!