مأساة التعليم في بيان الحكومة (2)

مي عزام الإثنين 28-03-2016 23:31

وضعية التعليم في بيان الحكومة ترفع من شأن الجهل، وتثير الكثير من علامات الاستفهام، فخطة الحكومة لا تنبئ بأن التعليم يشغل بالها من الأساس، برغم أن الخطة بها كل شىء من بناء مدارس وجامعات، وتطوير مناهج، وتدريب معلمين، وخلق بيئة جيدة، إلا أن الخطة نفسها ليس بها أي شىء يستحق الاهتمام! ولكي نفهم هذا التناقض نبدأ بعرض الخطة قبل أن نناقشها.

تمثلت رؤية الحكومة لقطاع التعليم في برامج وأهداف أساسية هي:

- تقليل كثافة التلاميذ بالفصول، وهذا يستلزم بناء 100 ألف فصل جديد بتكلفة تزيد علي 30 مليار جنيه (منها 33 ألف فصل في المناطق المحرومة)، بالإضافة إلى تخصيص 6 مليارات جنيه سنويا لبناء وصيانة المدارس وتجهيزها.

- الارتقاء بأداء المعلم والإدارة المدرسية وتطوير المناهج والكتاب المدرسى والامتحانات، من إبريل المقبل وحتى يونيو 2018 .

- تحسين جودة الحياة المدرسية، وتطوير منظومة التعليم الفنى واستكمال ربط مخرجات التعليم الفنى بمؤسسات الإنتاج.

- تطوير منظومة التعليم العالى والبحث العلمى وتتعهد الحكومة بإنشاء فروع للجامعات وإنشاء خمس جامعات أهلية وخمس جامعات خاصة.

- تحسين أوضاع هيئة التدريس وزيادة معدلات قبول الطلاب الوافدين من الدول العربية والإفريقية بنسبة 10% سنويا لاستعادة مصر لريادتها العربية والأفريقية.

- دعم عملية محو الأمية وتهدف الحكومة إلى محو أمية أربعة ملايين فرد حتى نهاية العام المالى 2017/2018 وإيقاف التسرب من التعليم.

إذا نظرنا إلى الفقرات الخاصة بإنجازات الحجر والإنشاءات، سنجد أرقاما وميزانيات وتواريخ، من بينها بناء 100 ألف فصل، و5 جامعات في عامين ونصف، وأترك لكم تخيل عدد الفصول والمدارس التي لدينا وعدد الجامعات الموجودة فعلاً، وأترك لكم تخيل مستوى الطالب الذي يتخرج من هذه المدارس والجامعات مع مقارنة بسيطة بخريجي مصر عندما كان فيها مدارس أقل، وعندما كانت فيها جامعة واحدة، وعندما كان العالم في وضعية أقل من حيث التراكم المعرفي وسرعة وسائل الاتصال وسهولة تداول المعلومات ومنجزات التكنولوجيا المذهلة التي حدثت في نصف القرن الأخير.

يتحدث بيان الحكومة عن مقارنات مع كوريا الجنوبية والصين، من دون أن يتطرق للنقلة التي أحدثتها مثل هذه البلاد، ولا خطط اهتمامها بالتعليم والبحث العلمي، وربطها بين مخرجات التعليم والمستهدف الاقتصادي، حيث ركزت هذه البلاد اهتمامها نحو الإلكترونيات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات المعلومات، وبعد أن كانت ميزانية كوريا الجنوبية أقل من 1% تضاعفت أكثر من 6 مرات حتى وصلت إلى 12 مليار دولار، بينما وصلت ميزانية البحث العلمي في الصين إلى نحو 140 مليار دولار، وبالتالي فإن نهوضها التجاري والصناعي لم يكن مصادفة.

بيان الحكومة يتحدث عن تحسين بيئة التعليم في منظومة يتخرج فيها طالب متفوق من كلية الهندسة، فلا يجد فرصة كريمة للعمل، حتى اضطرت أعداد كبيرة من خريجي الجامعات للعمل في توصيل الطلبات (ديليفري) وفي محطات البنزين، وفي السمسرة وتسويق العقارات، وعلى عربات الساندوتشات، وكسائقين لـ«التوك توك»، هؤلاء وجدوا فرصة للتعليم ولم يتسربوا، وتخرجوا من المدارس والجامعات التي نفكر في إنشاء مثلها، وبعضهم كان متفوقاً، لكنه خسر كل ذلك في الحياة، بسبب تصور الدولة عن الاستفادة به، وبسبب الاقتصاد الطفيلي الذي يتوحش على حساب الاقتصاد المنتج، ففي الاقتصاد التابع الرث يتساوى خريج كلية الهندسة مع خريج كلية الآداب مع «ساقط الثانوية» في فرص العمل، وفي المكانة الرمزية والاجتماعية، بل أحيانا يفضل اصحاب العمل «الواد المخربش» الذي يعمل في أي مجال أكبر عدد من ساعات العمل، ويتحول إلى ما يشبه العبد عن صاحب العمل، وبالتالي فإن عزل أي تصور للتعليم عن بقية مجالات الحياة، هو أكبر وهم تبيعه الحكومة لشعب خرج في ثورتين للمطالبة بتصحيح اوضاعه التي انهارت بحيث لم يعد ينفع معها دهان أطلال الخرابة بأي ألوان جذابة.

ektebly@hotmail.com