سُمعة مصر

عبد المنعم سعيد السبت 26-03-2016 21:25

الدول مثل الأفراد، لها سمعة هى دوماً خليط من التاريخ والأدوار، ومدى الثقة التى يمكن وضعها فيها من قبل آخرين سواء لعواطف موجودة، أو لأن شبكة المصالح تستدعى ذلك. مصر مع الصين، وإلى درجة ما الهند، لهما مكانة عالمية خاصة مستمدة من التاريخ والدور فى بناء الحضارة الإنسانية قديما، وأحيانا حديثا للدور الذى تلعبه فى السياسة العالمية فى اتجاه السلام وارتقاء الإنسانية. هذه المكانة تدهورت بالنسبة لمصر خلال السنوات الأخيرة. وفى الولايات المتحدة فإن مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأى العام تقوم بشكل دورى بقياس مدى تفضيل مجموعة من دول العالم، وجرى آخر هذه الاستطلاعات فى عام ٢٠١٣، حيث كانت كندا (التى تتناوب هى وأستراليا والمملكة المتحدة على المكانة الأولى) هى الأكثر تفضيلا، بينما كانت إيران الأقل قبولا. التفضيل والقبول لهما معايير بالطبع؛ كما هو بالنسبة للرفض والاستهجان؛ ولكن المهم هنا تسجيل أنه عند لحظة زمنية بعينها فإن هناك قياساً بعينه لهذا التقدير الذى نسميه «السُمعة»، أو الانطباع الذائع عن شخص أو دولة أو مؤسسة أو جماعة.

فى مقياس جالوب، فإن تقدير الأمريكيين لمصر وللمصريين كان فى عام ١٩٩١ إيجابيا بنسبة ٦٦٪ بينما مَن كانت لهم تقديرات سلبية ١٧٪. ورغم أن التقديرات الإيجابية أخذت فى التراجع، والسلبية فى التصاعد، إلا أن الأولى ظلت أعلى من الثانية حتى عام ٢٠١١ عندما استقر الإيجابى والسلبى عند ٤٧٪، وبعدها أصبحت الحصيلة سلبية ومستمرة على هذه الحال منذ ٢٠١٣، فصار السلبى ٥٣٪ والإيجابى ٤٠٪. عوامل ذلك يمكن استجلاؤها بسرعة، ومنها حالة الفوضى التى عانت منها مصر خلال السنوات الماضية، ورغم أن هذه تراجعت إلا أن الانطباع الذائع هو أن مصر لم تعد بلداً آمناً كما كانت فى السابق. ما هو أخطر من ذلك أن سمعة مصر انقلبت من بلد يعمل من أجل السلام العالمى وسلام الشرق الأوسط إلى بلد هو جزء من قوس الأزمات الحالية فى المنطقة. باختصار، أصبحت مصر جزءا من المشكلة بعد أن كانت جزءا من الحل.

ولكن ما يؤخذ على مصر من انطباعات سلبية يعود إلى طريقة مصر فى إدارة شؤونها، فالانطباع الذائع عنها أنها بلد غير جاد، أدمن المعونات والمنح وعطايا الآخرين، ولكن لا يريد أن يشمّر عن ساعديه ويواجه ما واجهه الآخرون. المقارنة مع الدول التى سبقتنا مثل كوريا الجنوبية نعرفها هنا، ولكن فى الخارج، وهو ما يشمل كل من سبقنا فى الدنيا شرقا وغربا، يشمل الدول التى واجهت تحديات كبيرة وأنجزت فى ظلها ما هو ليس قليلا. على سبيل المثال فإن نسبة التعليم لمن هم فى سن التعليم فى إيران ١٠٠٪ بعد حروب وحصار وعقوبات ومع تقييد شديد لإنتاج النفط؛ وفى كوبا التى عانت ما عانت نتيجة الحصار والخنق الأمريكى، فإن نسبة التعليم فيها أيضا ١٠٠٪ من السكان، ونسبة وفيات الأطفال فيها أقل من الولايات المتحدة، ولها إنجازات باسمها معروفة فى مجال الهندسة الجينية وصناعة الدواء. فى مصر، فإن نسبة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ٢٨٪، أما الفقراء فيزيدون على ٢٩٪، وكل ذلك مع الحصول خلال العقود الثلاثة الماضية على قرابة ٢٠٠ مليار دولار من المعونات والمنح والقروض السهلة من العالم الخارجى القريب والبعيد الذى يشكو المصريون دائما منهم لأنهم يتآمرون على المحروسة طوال الوقت.

مصر غير جادة مع نفسها، كما أنها غير جادة مع العالم فيما تعلنه وتقول به وتسعى إليه، وهى فوق ذلك غير مخلصة لتاريخها الذى أحبها العالم من أجله. فثلاثة آلاف عام من الحضارة الفرعونية تبدو وكأنها تنتمى إلى حضارة العالم، وهذا صحيح، أكثر من انتماء المصريين إليها، ومن ثم كان عدم التقدير والإهمال. وبالطبع فإن تحيز مصر إلى الإسلام كان مفهوما على ضوء الصبغة الحضارية والإنسانية التى صبغت بها الحضارة المصرية القديمة كافة الأديان التى أتت إليها من المنطقة. ولكن عندما تكون عطية مصر للعالم ليس دورا عظيما للأزهر بقدر ما هو أداء مرعب لشخصيات محمد عطا وأيمن الظواهرى. ولسنوات طويلة كانت مصر استثناء خاصا سواء فى العالم النامى، أو العالم الإسلامى، أو العالم العربى؛ ولكن الاستثناء ذهب ولم يعد وأصبحنا جزءاً من جمهرة المسجلين خطر فى العالم.

بالطبع فإننا يمكننا أن نهز الأكتاف، ونتجاهل موضوع حقوق الإنسان، ونقول ليذهب العالم إلى الجحيم، وربما حتى نعطى العالم محاضرة كبرى عن سوء سلوك الآخرين من أول ما فعلوه فى مواجهة «الهنود الحمر» وإنشاء إسرائيل والعبودية وفيتنام وغزو العراق. كل ذلك ممكن، وحتى المشاكسة ممكنة فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فيصوت ١٤ عضوا دائمين وغير دائمين ضدنا.. ولكن كل ذلك لا يحل معضلتنا، وهو أن سمعتنا السيئة لا تعوضها قوة ولا موارد ولا إنجازات ولا ارتفاع فى الترتيب فى التقارير العالمية ولا قيمة للجنيه المصرى. فى النهاية نحن نحتاج العالم بأكثر مما يحتاج لنا، وتحسين السمعة فضلاً عن أنه من حسن الفطن فإنه ممكن!.