ذكرتُ أمس أن الإعلام لا يصنع ظهيراً للحكومة، ولا يقدم بديلاً شعبياً، فى حال اختفاء الجماهير من ملاعب السياسة ومازلت عند رأيى هذا، لا أعدله ولا أبدله.. وكنتُ قد ذكرت سابقاً أن الإعلام لا يصنع ثورة، ولا يمنع ثورة.. وضربت مثلاً بالجزيرة فى 25 يناير، وضربت مثلاً بالفضائيات فى 30 يونيو.. وأقول الآن إن الإعلام لا يستطيع أن يصنع مؤيدين للحكومة ما لم تقدم الحكومة إنجازات تؤيدها!
وربما نشهد مواجهة بين الحكومة والبرلمان ابتداء من اليوم.. ولا يعنى هذا أن المواجهة سوف تنتهى بالإطاحة بها، وإنما علاقة البرلمان بالحكومة لن تكون مثلما كنا فى الماضى، فقد كانت الحكومات تذهب إلى البرلمان وفى بطنها بطيخة صيفى.. خاصة أنها كانت تمتلك الرشاوى اللازمة لإسكات النواب، أما الآن فهى لا تمتلك وظائف ولا تأشيرات.. وبالتالى فالعبء كبير على حكومة «شريف إسماعيل»!
فلأول مرة نجد أن هناك ترتيبات جادة تسبق إلقاء بيان الحكومة.. منها إجراء لقاءات بالكتاب والنواب على مدى شهرين.. ومنها تغيير بعض الوزراء.. وأخيراً وفد وزارى يزور البرلمان، قبل إلقاء البيان، واستعدادات مكثفة تمهيداً لإلقاء البيان.. وهو شىء فى ظاهره جيد من وجهة نظرى.. فهذا ما يحدث فى البلدان الديمقراطية.. كما أنه يُحسب حساب لممثلى الشعب.. وهو شىء يلفت الانتباه بلا أدنى شك!
ما سبق لا يمكن الاكتفاء به أبداً.. المهم ماذا تقدم الحكومة للشعب صاحب المصلحة؟.. هل عندها جديد؟.. هل لديها ما تقدمه على الأرض؟.. هل تستطيع خفض العجز فى الموازنة العامة؟.. هل تستطيع تثبيت الأسعار ورفع الأجور؟.. الكلام وحده كثير وقد شبعنا وسئمنا منه.. نريد إنجازات وخدمات.. نريد تقدماً فى الصحة والتعليم وتحسين رغيف العيش.. نريد حكومة مختلفة، وليس برنامجاً والسلام!
بالتأكيد لا نريد مواجهة بين الحكومة والبرلمان تعطل العمل العام.. لكن ما نريده هو إعلاء فكرة المحاسبة وليس الانتقال لجدول الأعمال.. فيما قبل الثورة كان أمر الحكومة بين يدى اثنين لا ثالث لهما.. الأول زعيم الأغلبية، وكان كمال الشاذلى، رحمه الله.. الثانى فتحى سرور، أطال الله فى عمره.. الآن أمر الحكومة بين يدى كثيرين.. كل نائب يرى أنه كتلة فى ذاته، وربما يرى أنه رئيس مجلس أيضاً!
من حسن الحظ أن المهندس شريف إسماعيل يعرف أن المناخ تغير.. ويعرف أن المتغيرات تغيرت.. الشعب نفسه تغير.. المجلس تغير.. أول درس تلقاه كان يتمثل فى رفض قانون الخدمة المدنية.. بغض النظر عن صحة الرفض أو عدمها.. نعم كان درساً.. وهو الذى جعله يمهد الأرض بلقاءات الكتاب والنواب.. لكن ينبغى أن يتقدم رئيس الوزراء للمواطن بحزمة «إجراءات سارة» قبل الإجراءات المؤلمة!
السؤال: هل كان التغيير الوزارى كافياً ليغير قناعات مجلس النواب من الحكومة؟.. هل نجحت لقاءات النواب فعلاً فى امتصاص الغضب، أم أن المواجهة القادمة تشبه المصارعة الحرة؟.. هل يطرح المجلس حكومة شريف أرضاً.. وهل يفوز عليها بلمس الأكتاف، أم يقوم بتمرير البرنامج والانتقال لجدول الأعمال؟!