جودة عبدالخالق: حررنا الأرض فى أكتوبر.. والآن تباع

كتب: اخبار الأربعاء 20-10-2010 17:07

وصف المفكر الاقتصادى الدكتور جودة عبدالخالق، النظام الرأسمالى المصرى الحالى بأنه «رأسمالية محاسيب» وقال إن المنطق السائد الذى يحكم هذا النظام هو «شيلنى وأشيلك»، وإن السياسات التى تطبقها الحكومة حالياً أقرب إلى عصر المماليك.. تحول فيها البلد إلى «إقطاعيات».

 أضاف «عبدالخالق» فى حواره مع «المصرى اليوم»: إن هناك أيادى فى مصر، تتدخل لإثارة الفوضى، وإن من بين هذه الأيادى الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، الذى تخطط حكومته، حسب قوله، بإيعاز من رجال «البيزنس» الذين يقتنصون فرص الاستثمار.

وتابع: «حررنا أراضينا فى حرب أكتوبر والآن تباع للمستثمرين والأجانب، بعد أن فتحت الحكومة الباب على مصراعيه لبيع أراضى الشعب».

وقال: «إن مصر ليست فقيرة لكنها (منهوبة)، وإن السياسات الحالية التى تتبعها الحكومة تأخذ ممن ليس لديه شىء وتعطى من لديه». وانتقد عدم وجود تخطيط فى مصر، مؤكداً أن ما يحدث حالياً هو تدمير وليس تخطيطاً.. وإلى نص الحوار:

■ ما رأيك فيما حدث مع مشروع «مدينتى»؟

- يؤسفنى أن تطرحى علىّ هذا السؤال ونحن نحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر، التى مر عليها 37 عاماً وكان هدفها تحرير أرض الوطن، وموضوع «مدينتى» يؤشر بوضوح إلى أننا، وللأسف، نعيش الآن مرحلة تبديد أرض الوطن وهذه الأرض ليست أرض الدولة، لأن الدولة لا تملك شيئاً، وهذه الأرض التى تبيعها ملك للشعب، هو المالك الحقيقى لها والدولة تتصرف دون تفويض منه.

وعندما أصدر القضاء النزيه حكمه ببطلان عقد مدينتى، التفت الدولة حول الحكم وتجاهلته تماماً وهذه بادرة خطيرة، وللأسف بدلاً من أن يحال عدد من أصحاب رؤوس الأموال الفاسدة إلى المحاكمة لينالوا العقاب المناسب لتبديد أراضى الشعب، فإن الحكومة أعلنت أنها ستعيد بيع الأرض لنفس الشركة، مستندة إلى مبررات واهية لا تقنع حتى طفلاً.

وما نعلمه أن الشركة صاحبة مشروع مدينتى لها شركاء أجانب، مما يعنى أن أراضى البلد التى حاربنا لنحررها ونستردها أصبحت تباع لرجال البيزنس والأجانب، ليس أرض سيناء فقط بل تبيع أراضى شاسعة فى أماكن متفرقة، على سواحل البحر الأحمر، وشمال سيناء، والساحل الشمالى وغيرها، والطامة الكبرى أن الأجانب الذين تباع لهم أراضى الشعب هم الأعداء.

والقضية الآن قضية العدل فى هذا البلد، وهناك بعد آخر له طبيعة اقتصادية وهو أن عادة المجتمعات الحية أن تعيش على إنتاج الثروة، بينما المجتمعات غير الحية تعيش على بيع الأصول، والحكومة مثال حى (فاقع) على أننا مجتمع غير حى لأنها تبيع أصول البلد، الأراضى والغاز، بأسعار زهيدة.

■ تُرى لماذا تبيع الحكومة أراضى البلد.. وما نتيجة ذلك؟

- هذا إفلاس من الحكومة من ناحية السياسة الاقتصادية، وهنا أتذكر حينما جاءت هذه الحكومة وأعلنت أنها حكومة رجال الأعمال، لأنهم هم الذين سيقودون قاطرة التنمية وزيادة الإنتاج، والنتيجة أنه لا شىء من هذا تحقق وإنما الذى تحقق هو الإفلاس. وأنا لم أندهش من هذه النتيجة لأننى نبهت من البداية إلى ضرورة فصل المال عن السلطة، والحكومة لم تأبه بما أنذرت من خطورة ذلك، بل أحدثت تزاوجاً فيما بين المال والسلطة وعينت 5 منهم وزراء فى الحكومة.. والتصرف فى أراضى الشعب يتم للمحاسيب، وهذا يفتح باب الفساد على مصراعيه.

■ اقتصاد مصر.. حر أم موجه؟

- لا.. لا يوجد أى تخطيط، إلا التخطيط لتدمير هذا المجتمع ومقوماته، هذا الشىء الوحيد الذى يتم التخطيط له، لكن إذا كان اقتصاداً مخططاً بمعنى أنه يوجد هدف قومى أو أهداف قومية ويتوسل للوصول إليها بأدوات ووسائل معروفة، وتنفذ بكل همة ونشاط ودقة، فالإجابة لا، لا يوجد فى مصر تخطيط، لكن يخطئ من يتصور أيضا أن مصر لا تطبق أى تخطيط، فإذا نظرنا إلى النظام السياسى فسنجده ينطوى على تركيز شديد للسلطة، وفى ظل هذا التركيز يخطط ويدبر لتتخذ قرارات لمصلحة الصفوة فى هذا المجتمع ولفئة محدودة جداً وهى رجال الأعمال ومن حذا حذوهم، إذ تتخذ قرارات تضر بمصلحة المجتمع، فالعامل أضير من قرارات الخصخصة، حيث ألقى إلى قارعة الطريق، والموظف الحكومى تتخذ ضده قرارات تشعل الأسعار ناراً فيتلوى جوعاً، والمريض الذى تتخذ ضده قرارات تقذف بحقه فى الرعاية الصحية، فلا يمكن على الإطلاق أن يكون هذا تخطيطاً من منظور المصلحة العامة، يعنى لا أنا ولا أنت ولا ملايين المصريين نتخذ القرار، فالذى يتخذ القرار من يخدم مصالح الصفوة المتحكمة فى مقاليد الأمور، خصوصاً أننا نعيش حالة من سيطرة واضحة لرأس المال على الحكم، فرأس المال فى مصر يعربد كما لم يعربد فى الولايات المتحدة الأمريكية، فالأخيرة، وهى قمة الرأسمالية، رغم كل شىء توجد ضوابط على حركة رأس المال بها، وعلى سبيل المثال قيل لشركة «مايكروسوفت» إن لم تتركى هذا المجال لآخرين فسننزل عليك عقوبات شديدة جداً.

■ أتعتقد أنه توجد يد خفية تسعى لإثارة الفوضى فى البلد؟

- اليد التى تتدخل لإثارة الفوضى فى مصر ليست خفية بل ظاهرة جداً، و«نظيف» إحدى هذه الأيادى، الحكومة تخطط بإيعاز ممن يسمون رجال أعمال، وأنا أسميهم رجال بيزنس، لأن تعبير رجال أعمال محترم، ورجل الأعمال هو الذى يقتنص فرصة للاستثمار، ويبحث عما يساعده على أن ينتج شيئاً لم ينتجه أحد من قبل، وبطريقة لم يستخدمها أحد من قبل، فيزيد الإنتاج ويخلق قيمة مضافة ويحصل على أرباح نتيجة ذلك.

■ لكنه قد يستغل العامل؟

- طبعاً العمال يُستغلون، وأنا ضد هذا كاشتراكى، إنما على الأقل هو يقوم بعملية خلق فيها جزء تدمير، لكن ما نراه هنا عملية تدمير ليس فيها من الخلق إلا «تكبيس» الأموال فى جيوب القلة المحتكرة، ولذلك أسميهم رجال بيزنس فلم يدخل واحد منهم مجالاً قائما بذاته، ولم يكتشف أحدهم فكرة كما حدث فى الماضى، «طلعت حرب»، ومع ذلك يحصلون على أراض من الدولة بالواسطة والمحسوبية، واشتروا مشروعات تبيعها الدولة، وكلنا نعرف ذلك، وحصلوا على قروض بالأمر المباشر بالتليفون، ولا يمكن أن أسمى هؤلاء رجال أعمال، وإنما أسميهم بالعربى رجال بيزنس، فكلمة «بيزنس» لها إيحاءات ليست طيبة.

■ هل مصر طبقت الرأسمالية؟

-بالطبع لا، فالواقع يقول إن ما تطبقه مصر حالياً، أقرب إلى عصر المماليك، حيث تحول البلد إلى إقطاعيات، فأقطعت الأمير فلان فى الصناعة، والأمير فلان فى التجارة وفى الزراعة والخدمات والأراضى، وكل هذا ليس من الرأسمالية فى شىء، لأن الرأسمالية فى النهاية محكومة بآلية البحث عن الربح وهو الفرق بين الثمن وتكلفة الإنتاج.

■ ماذا عن النظام الحالى فى مصر؟

- النظام الحالى ما يفعله هو اقتناص الريع، والريع هذا عبارة عن تداول أشياء لا تنتج وإنما معروضة، فمثلاً الأرض لا ننتجها وإنما نتداولها، ومع كل دورة تداول يُخلق ريع لبعض الفئات، وبالتالى هذا مجتمع يعيش على الريع ولا تحكمه آلية البحث عن ربح، ولذلك لا أسميه مجتمعاً رأسمالياً رغم أنه يسمى كذلك عند العامة.

■ إذا لم تكن رأسمالية.. فماذا نسميها؟

- نحن ليست لدينا رأسمالية إطلاقا.. ولو عايزه تجاوزاً نسميها رأسمالية، سأقول لك اصطلاحاً متداولاً فى العلوم السياسية وهو «رأسمالية المحاسيب» (Crony capitalizm) يعنى «شيلنى وأشيلك».

■ رأسمالية المحاسيب هذه.. هل أضرت المجتمع والاقتصاد المصرى، وما مدى هذا الضرر؟

- نعم أضرتهما، وهذا الضرر له مؤشرات عدة لا أستطيع أن أعطيك رقم، أو أقول مصدراً، إنما أقول لك المؤشرات، وأحد هذه المؤشرات نسبة البطالة فى صفوف الشباب، فالشريحة العمرية من 15 إلى 25 سنة من المصريين تتجاوز 30٪، فإذا تأملت التكلفة النفسية والمعنوية والمادية على هذه الشريحة، فسنجد أنها أحد التكاليف التى لابد أن نأخذها بعين الاعتبار، وقد لا نراها لكنها تكلفة بكل معنى الكلمة، وهى التى تدفع بعضهم إلى اليأس فيرتكب مخاطرة شديدة يعرف أنه قد يموت غرقاً فى البحر لكنه يصر على ذلك وكأنه يقول لنفسه: «أنا ميت ميت»، لأنه عاطل فى حكم الميت، قوة بشرية معطلة مش عارف يتزوج ولا يكون أسرة.

هذا جانب، والجانب الآخر الـ5 ملايين موظف، طبقاً لتقديرات الجهاز المركزى، العاملون فى الدولة طبقاً لهذه السياسات المطبقة لا تعوضهم الدولة عن الارتفاع فى الأسعار مما جعل مستواهم المعيشى ينحدر، وهناك مؤشر آخر هو العمال الذين خرج بعضهم من نطاق العمل تحت مسمى المعاش المبكر، وأُلقوا عنوة على الطريق فى ظل عمليات تخفيض العمالة من جانب مشروعات القطاع الخاص، التى اشترت المشروعات العامة، ثم ظهرت بدعة أصبحت القاعدة وهى أن العمل غير محكوم بعقد والناس تشتغل «ظهورات» فى حين أن المجتمع الدولى فى شخص منظمة العمل الدولية، يتكلم عن الحق فى عمل لائق، ومن مقومات العمل اللائق أن يكون العمل فى ظروف مُرْضية، ويدر عائداً كافياً وبأمان.

وإذا نظرنا للشريحة الكبيرة، ألا وهى الفلاحون، أهالينا، سنجد الدولة غيرت القانون الحاكم للعلاقة الإيجارية وجعلتها محكومة بالقانون المدنى، وهذه بدعة، فلو ذهبنا إلى فرنسا، وهو بلد رأسمالى، فسنجد العلاقة الإيجارية فيه غير محكومة بقواعد القانون المدنى لأن الأرض أصل إنتاجى إن لم تتم رعايته يتدهور، لذلك يجب أن أؤمن من يستأجرها بأن أعطيه الأرض 3 سنوات فيكون من مصلحته أن يرعاها ويصونها لتعطيه أحسن إنتاج على مدى الـ3 سنوات، لكن فى مصر المزارع النهارده لا يعلم إن كان سيظل بالأرض الموسم القادم أم لا فيهمل الأرض وتهدر.

إذن شريحة الشباب والموظفين والعمال والطبقة المتوسطة فى عمومها، كل هؤلاء أُلقى بهم ضحايا فى مذبحة اقتصاد السوق وما يسمى الاقتصاد الحر، وهذه هى الفاتورة، بالإضافة إلى أن المجتمع المصرى فقد القدرة على إنتاج أى شىء له قيمة خاصة غذاءه، وهذه مسألة فى غاية الخطورة على الأمن القومى للبلد.

■ هل مصر فقيرة؟

- مصر ليست فقيرة وإنما منهوبة، وهذا البلد لديه موارد عدة هى الموارد البشرية «80 مليون مصرى» وأنا سافرت أكثر من 100 بلد واحتككت بالناس وأدرك إيه معنى المصرى كإنسان، وهى ليست نزعة شيفونية لأنى مصرى وإنما لها أساس، فالمصرى إذا أعطى الفرصة يعمل إنجازاً، أحمد زويل من نفس الأرض المصرية لكن لم يعط الفرصة هنا.

وإذا كانت الدول تتكلم على رأس المال فالمصريون أهم مورد، لكن طبعا دون تعليم وتأهيل وتدريب وديمقراطية، لازم ننسحب إلى مستوى الحيوانات تعيش بالغريزة عايزه تاكل وتشرب وتتناسل وتنكّت أحيانا، لكن مفيش إنتاج بالمعنى الحقيقى، وثانى مورد وهو من أهم موارد مصر المنسية تماماً حتى الآن، بأقولها وقلبى يقطر دماً «عبقرية المكان» كما سماها جمال حمدان، عندك بلد نقطة مركزية على مستوى العالم، وإذا فكرنا فى التداعيات الاقتصادية سنجد مصر ببساطة شديدة تستطيع أن تحصل على مستلزمات الإنتاج، وبذات البساطة تستطيع تصدير الإنتاج، لكن مصر لم تستغل الموقع غير فى حالة الريع، عملنا حصالتين، واحدة فى بورسعيد والثانية فى السويس، والمراكب اللى رايحة واللى جاية نأخذ منها المعلوم، وأيضاً عملنا حاجة شيك سميناها «التعاون الدولى» ، ومن موارد هذا البلد أيضاً النقد الأجنبى، وكذلك مورد الماء، عندنا 55.5 مليار متر مكعب لو أُحسن استخدامها، لكن للأسف نعمل ملاعب جولف ولهذا أقول إنها منهوبة.