خرج بعض من يطلقون على أنفسهم المثقفين من لقائهم مع الرئيس السيسى ناقلين عنه قوله: إن مبارك خرب البلد، أو سلّم البلد خربانة، مما جعل أنصار الرئيس مبارك، وهم كُثُر، يشعلون مواقع التواصل الاجتماعى سباً ولعناً، على كل من سولت له نفسه الاقتراب من مبارك، أو محاولة تشويه صورته بما لا يليق، معددين فضائل فترة حكمه، بالمقارنة بما نحن فيه الآن، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والتى سوف تأتى لصالح الماضى بالتأكيد من كل الوجوه.
ما أردت تناوله هنا هو أنه من خلال أحد من حضروا اللقاء، وهو شخص أثق فيه، أكد وأقسم في الوقت نفسه، بالدليل والبرهان، أن الرئيس السيسى لم يتطرق إلى مثل هذا الكلام، لا من قريب ولا من بعيد، بل الأكثر من ذلك أنه لم يأتِ على ذكر الرئيس مبارك أساساً، لا سلباً ولا إيجاباً، وأن ما ردده أحد الحضور إنما هو من وحى خيال مريض، لا أكثر ولا أقل، على حد قوله.
أعتقد أن نقل حديث عن رئيس الدولة لم ينطق به هو شىء مؤسف للغاية، يدل على عدم أمانة من جهة، ومن جهة أخرى يثير البلبلة في الشارع، ويؤدى إلى مزيد من الانقسام، وهو الأمر الذي كان يتطلب خروج متحدث رسمى باسم الرئاسة ينفى هذه الشائعة، التي نالت من قدر الرئيس السيسى أكثر مما نالت من الرئيس مبارك، نالت منه على الأقل في أوساط هي في حقيقتها الأكثر تأييداً ودعماً له، من هؤلاء الذين يحرصون على تشويه صورته طوال الوقت، أملا في الإسراع بتحقيق أهدافهم التي لم تعد خافية على أحد.
هذه هي الحقيقة التي أخشى ألا تكون واضحة أمام البعض حتى الآن، وهى أن أنصار مبارك- ومازلت أؤكد أنهم كُثُر حتى الآن، بل هم في تزايد- كانوا هم الأكثر دعما لأحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣، اعتبروا أن السيسى هو الامتداد الطبيعى لمبارك، كان كل هدفهم الخلاص من حكم الإخوان، ذلك النظام الذي لم يحاول استيعابهم، بل دأب للأسف على حظرهم وعزلهم، كان هدف أنصار مبارك في كل المحافظات دعم أي شخص ترشحه المؤسسة العسكرية، سواء كان يحمل اسم الفريق شفيق، أو الفريق السيسى، أو أي أحد آخر، على الرغم من المرارة التي أصابهم بها المجلس العسكرى، وبصفة خاصة المشير طنطاوى والفريق عنان، بعدما تخلوا عن مبارك، أو هكذا بدت الأمور.
على العكس تماماً، كان هناك العديد من الأطراف، وفى مقدمتهم من يتحدثون دائماً باسم الرئيس السيسى، يسيرون على الحد الفاصل طوال الوقت، على قدر الاستفادة سوف تجد التأييد، لم يكفهم الهيمنة على المجلس الأعلى للصحافة، والصحف القومية، ومجلس حقوق الإنسان، والعديد من المواقع الأخرى، راحوا يلاعبون ويغازلون القيادة السياسية طوال الوقت، نحصل على مزيد من المكاسب سوف تجد المزيد من التأييد، التعيينات بمجلس النواب لم تتضمن أسماءنا بالتأكيد سوف تلقى المزيد من الهجوم، وقد كان، الآن أصبح المخطط واضحاً، لم تعد تصلح معنا سيادة الرئيس، هكذا لسان حالهم يقول، أصبح لنا شركاء فيك، كنا نسعى طوال الوقت أن نكون وحدنا، في البرلمان كما في الحكومة، كما في الوظائف العليا بشكل عام.
الاستطلاعات تؤكد أن رئيس الجمهورية مازال يتمتع برصيد شعبى يرتكن إلى أنصار مبارك بالدرجة الأولى، سوف نقضى على هذا الرصيد الأخير، بالفعل ومن خلال هذا التصريح الغريب الطاعن في شخص مبارك دون أي سبب واضح، استطاع هؤلاء الأشرار العبث في هذه الكتلة، نال السيسى ما نال من اتهامات على مدى الأيام الماضية التي تلت ذلك التصريح، نال ما نال من اتهامات بالتلون والتنكر لقيادته، وأصله وفصله، صبوا جام غضبهم عليه في صور عديدة، إن شعراً وإن نثراً، والتى كان أبرزها: ليتها تعود خر بانة كما كانت، لقد كنا في رخاء، الآن نحن في شقاء، إذن نجح المخطط إلى حد كبير.
أعتقد أن هذه الواقعة وحدها، الخاصة بتوريط رئيس الدولة مع الرأى العام، كفيلة بالكشف عن أن هناك شيئاً ما خطأ في المؤسسة المفترض أنها الأكثر دقة وحساسية في المجتمع، وهى مؤسسة الرئاسة، الواقعة كفيلة في الوقت نفسه بالكشف عن أن الأمر يتطلب إعادة النظر في تحديد من يتحدثون باسم الرئيس، فقد سبق هذا اللقاء تحديدا الكثير من هرج ومرج التصريحات باسم مؤسسة الرئاسة، فيما بدا أنها بلا ضابط ولا رابط، وكأن البساط أحمدى، على الرغم من اللون الأحمر الذي بدا عليه هذا البساط طوال الوقت، من أكتوبر حتى الاتحادية، ومازال يثير الكثير من اللغط حتى الآن.
العبدلله يطرح هذه القضية هنا، ليس تزلفاً ولا دفاعاً عن الرئيس، إلا أننى أتوقف أمام مجتمع يسير إلى الهاوية، في غفلة من صناع القرار، وسط مخططات واضحة لإسقاط الدولة المصرية ككل، بل تقسيم المقسم شعبياً على الأقل.. انتبهوا أيها السادة.