صاحب الصوت الجهورى العريض والمسيرة الفنيّة الطويلة والمتنوّعة، عرفه الجمهور العربى بالقدود الحلبيّة والمواويل العراقيّة والموشّحات الأندلسيّة. كما أجاد الأغانى المصريّة والخليجيّة، وتعاون مع كبار الشعراء العرب، وكان أحسن سفير للأغنية التونسية وموروثها الشعبى.. إنه الفنّان التونسى لطفى بوشناق، الذى استطاع طيلة مسيرته الفنيّة أن يكون مغايرا للسائد، وأن يصنع لنفسه بصمة مختلفة تميزه حتى إن البعض أطلق عليه اسم «بافاروتى تونس»، لتشبيهه بفنان الأوبرا الإيطالى الشهير لوتشيانو بافاروتى. فى هذا الحوار مع «المصرى اليوم» يتحدث بوشناق كثيراً عن الوطن، وقليلا عن الفن والحب.
■ فى ظل التغييرات التى نعيشها اليوم ماذا تقول للشباب العربى؟
- لا أستطيع أن أضع نفسى مكان الشباب العربى، لا يمكننى أن أقول له شيئاً، فمهما حاولت لن أشعر بحجم الإحباط الذى يشعر به شباب يحمل أعلى الشهادات العلمية، لكنه يعجز عن إيجاد مصدر للرزق. يعيش شبابنا وضعية صعبة يتحمل فيها من يسيّر بلداننا المسؤولية الأكبر، ومع ذلك أقول للشباب: فقط اصمدوا فالمستقبل لكم.
■ هناك من الفنانين من يعلنون صراحة انتماءاتهم السياسية، ويتبنون مواقف يدافعون عنها، وهناك من يفضّل عدم التصريح بذلك.. لأى فريق تنتمى؟
- كل ما يمسّ بلادى يمسّنى، وعار علىّ ألا يكون لى موقف منه، فالحياة موقف، والوطن موقف، ومن لم يكن له موقف من قضايا بلاده فلا قيمة لانتمائه إليه، لكن انحياز الفنان يجب أن يكون للقضايا العادلة وللإنسانية، لا لطرف سياسى دون آخر، وأنا لست رجل سياسة، وليس لى أى انتماء حزبى، والسياسة لا تعنينى، ولا أفهم قواعدها، ولا أجيدها، ولا يمكننى أن أجمع بين لعبتين مختلفتين، يكفينى ويشرفنى أن أكون فقط فنّاناً يحاول أن يكون، عبر فنّه المرآة التى تعكس كل ما هو جميل، وحتّى قبيح من حوله.
■ ماذا عمن يعتبر عدم مجاهرتك بمواقفك السياسية رغبة منك فى أن تكون صديق الجميع؟
- لا أسعى لأن أكون صديقاً للجميع، أنا صديق لجمهورى، الذى لن تضيف انتماءاتى السياسية له شيئاً، أنا فقط حارس مستيقظ وشاهد على هذا العصر، أحاول نقل تفاصيله بعين الفنان.
■ بعد أكثر من 5 سنوات من بدايته كيف تنظر للربيع العربى؟
- لقد اختاروا له أسماء كثيرة، واحتاروا فى توصيفه، فهناك من سمّاه ربيعاً، وهناك من قال عنه انتفاضة، وهناك من جزم بأنّه مؤامرة، شخصيّاً لا يهمنى أن يكون ربيعاً أو شتاء أو خريفاً بقدر ما يهمنى ما نتج عنه اليوم وما سينتج عنه مستقبلاً.
■ لو كان بيدك القرار وعادت عجلة الزمن إلى الوراء، هل كنت تعمل على عدم وقوعه؟
- ما حدث حدث، البكاء والتحسّر على الماضى والوقوف على الأطلال لن يفيدنا فى شىء، يجب أن ننظر إلى المستقبل، فنحن نركب الآن على متن زورق به ثقب كبير، علينا أن نفكر فى سدّه قبل أن نغرق جميعاً.
■ ما دور الفنان فى مقاومة الإرهاب الذى ضرب كل الوطن العربى؟
- عليه أن يغنى، لأن الغناء هو أحد معانى الحياة، والإرهابيون أعداء الحياة ولن نقاومهم إلا بحبنا لها وتمسكنا بها.
■ رغم كل الآلام والدمار الذى عشناه كعرب خلال السنوات الأخيرة، لماذا لم يتم إنتاج عمل فنى كبير مشترك يعكس ذلك؟
- هذا السؤال يجب طرحه على المشرفين على قطاع الثقافة فى بلداننا العربيّة، فهم من يتحمّلون القسط الكبير من المسؤولية، رغم أنّها مشتركة. ما نمرّ به اليوم هو أحلك فترة تعيشها الأمة العربية، لأننا أهملنا الثقافة بما فى ذلك الثقافة الدينية، وهو ما أوصلنا لهذه الحالة. أنا جاهز لتلبية أى دعوة للمشاركة فى عمل عربى كبير دون قيد أو شرط، وعلى الصعيد الشخصى لم أكف عن الغناء لهذه الأوطان وأوجاعها، وقدمت أكثر من عمل فى هذا الصدد، فغنيت «خذوا الكراسى» و«ضموا الصفوف».
■ لو اخترت أغنية تختزل واقعنا العربى اليوم فماذا تختار؟
- أختار ما قاله الشاعر التونسى آدم فتحى:
أنـا الـعربـيّ مِفتاح الــجـهـــات.. وراعى النبض فى قلب الحصاة
عـزيـز الـروح لـى أمسٌ مـجيدٌ.. ولى فجرٌ مـن الأمـجـاد آتِ
ويحدث أن تكون الريح ضدى.. فأركبها وأقصد أمنياتى
وأبقى يانعاً فى كل نار.. وحراً رغم كيد الكائدات
■ عشت طويلاً فى مصر ولك علاقة وطيدة بها، فما رأيك بما تشهده الآن؟
- كلّما سئلت عن مصر أقول انتبهوا للمحروسة، فهى وتد هذه الأمة وقوامها وعمودها الفقرى، مصر هى التاريخ والحضارة والثقافة والفن، هى حصن أمّتنا الذى لا يجب السماح بسقوطه. وطبعا أتابع كل ما يحدث فى مصر، ولى اطلاع شامل على ما يحصل هناك، وأجده طبيعياً، إذ لا يمكن تقييمه الآن لأن الثورات لا يمكن تقييمها بعد 5 سنوات فقط.
■ ما رأيك فيما فعله الإخوان بمصر؟
- أنا كفنّان لى مبدأ فى الحياة: أختلف معك فى الرأى، لكن ذلك لا يعنى أن أقصيك أو أجرّمك، لا بدّ لنا من التعايش مع بعض، وعلينا أن نفهم أن حريتنا تقف عندما تبدأ حريّة الآخرين، لأنّ هذا هو منطق العدل والعدالة فى نظرى.
■ ما رأيك فى حسنى مبارك وبشار الأسد؟
- أهل مكة أدرى بشعابها، هذه خيارات شعوب، ولا يمكننى أن أبدى رأيا فى هذه الشخصيات لأننى ضد التدخل فى شؤون الغير.
■ ما أسباب تراجع الأغنية العربية الطربية فى السنوات الأخيرة؟
- كل ما حولنا «مسوس»، نخره السوس، وطال الصدأ كل تفاصيل حياتنا ومجتمعاتنا، والفن ليس بمعزل عما يحيط به، بل هو مرآة له، وما أصاب الأغنية العربية هو نتيجة لكل ذلك، فكيف نطلب من مجتمعات تعانى من الانهيار أن تنتج فنّا على خلاف واقعها.
■ سمعناك مؤخرا فى تجربة ترتيل القرآن، هل ستعيد ذلك أو تتفرغ له يوماً ما؟
- كانت تجربة بسيطة فى إحدى الإذاعات، ولا يمكننى أن أجيب فى الوقت الحالى عن هذا السؤال، فإذا حدث ذلك سيكون قراراً شخصياً أتخذه بينى وبين نفسى.
■ ما مفهومك للالتزام فى الفن؟
- الحياة التزام والغناء أيا كان موضوعه التزام، فعندما نغنى للحب يجب أن نكون ممن يؤمنون به وعندما نغنى للوطن يجب أن نكون وطنيين وعندما نقدم ابتهالاً يجب نكون ملتزمين دينياً. إذا لم نكن نشعر بما نغنيه ولم يستفزنا موضوعه ولم يحرك جوارحنا فلن نفيه حقّه ولن يكون صادقاً ولن نؤثر فى من يستمع لنا.. الالتزام فى النهاية هو أن نؤدى الإحساس بأمانة.
■ ما سر قلة ظهورك الإعلامى؟
- أنا فنّان أرغب فى أن يسمع الجمهور غنائى لا كلامى، فلست ممن يحبّون الكلام كثيراً، وليس لدى وقت لذلك، فكل وقتى أفضّل أن أخصصه للموسيقى والعمل، وأفضل أن يحاسبنى جمهورى على فنّى لا على كلامى.
■ ما رأيك فى برامج اختيار المواهب؟
- أحترمها، فهى برامج تعطى للمواهب الشابة فرصة لتظهر طاقاتها الفنية ودورها يقف عند هذا الحد. بعد ذلك يأتى دور شركات الإنتاج، وهذا موضوع آخر يطول الحديث فيه.
■ لو عرضوا عليك المشاركة فيها، هل تقبل؟
- طبعا، فأنا لا أدينها ولا أحملها أكثر من مسؤوليتها.
■ ما حقيقة اتصالك بالطفلة نور قمر المشاركة فى برنامج «ذا فويس كيدز» ورغبتك فى التعاون معها؟
- ليست أخباراً صحيحة، نور قمر صوت ممتاز وموهبة كبيرة، لكننى أقول إننا الآن لم نعد فى حاجة لموهبة الصوت فقط، فعلى الفنان الذى يرغب فى التميز أن يفكر فى الشىء المختلف الذى سيقدمه، ويصنع به الفارق بينه وبين غيره، فعليه أن يبحث لنفسه عن بصمة أو هوية فنية مختلفة.
■ ما رأيك فى مطالبة البعض بفرض قوانين ضد العرى، مثلما طالب الفنان هانى شاكر؟
- هذا غير مقبول، لأنى أعتقد أن كل شخص مسؤول عن تصرفاته وخياراته ويتحمل وحده نتائجها، والجمهور فى النهاية هو من يملك قرار الرفض أو القبول. يمكن لنا إبداء الرأى فى هذا الموضوع لكن ليس من المعقول أن نفرضه على الآخر.
■ ما الذى أبكاك على المسرح وأنت تغنى؟
- قداسة الموقف وصدق الإحساس، شعرت ساعتها أننى أغنى لوطن أخاف أن يسرق منى، فى تلك اللحظة أحسست وكأن هناك من يحاول أن يستولى على قطعة من جسدى. فقد مررنا بأوقات عصيبة فى تونس، ولوهلة شعرنا بأننا قد نفقد هذا الوطن، كل ذلك دار بخلدى وأنا على خشبة المسرح، فلم أتمالك نفسى ونزلت دموعى رغما عنى.
■ هل أنت متفائل بالمستقبل؟
- ليس أمامى خيار آخر غير التفاؤل، فنحن أمام حل من اثنين، إما التفاؤل او الانتحار وأنا من أنصار وأحباء الحياة ولى أمل كبير فى المستقبل وواثق بأن لأمتنا رجال لن يدعوها تسقط.
■ أين المرأة فى حياتك؟
- لم تغب يوما عنى، فهى الأم والأخت والحبيبة والزوجة والبنت والصديقة.
■ متى كانت أول قصة حب فى حياتك؟
- كانت ككل قصص الحب، فمن لم يحب كأنه لم يعش يوما، لكننى أفضل الاحتفاظ بتفاصيلها لنفسى، لأننى ممن يفضلون أن تكون لهم غرفة مغلقة، يمنع على الآخرين دخولها، هى عالمى الخاص، الذى أخبئ فيه كل ما يهمنى لوحدى ولا يعنى الآخرين، وأحرص على ألا ينتهك أحد حرمته، لأنه عالم فيه شىء من القدسية التى لا أريد لها أن تدنس بأى فعل خارجى.
■ هل لأبنائك علاقة بالفن؟
- نعم لى 3 أولاد وبنت يتمتعون بمواهب فنيّة مختلفة، فمنهم من يعمل فى مجال التمثيل والإخراج، ومنهم من يعزف على الآلات الموسيقية.