قبل 25 يناير، كان الوزراء، الذين جاءوا من القطاع الخاص، محل هجوم طول الوقت، وكان مجيئهم يؤخذ على مبارك، وكان السؤال هو: كيف نضمن ألا يؤدى وجود الواحد منهم، وزيراً، إلى خلط المال العام بالخاص؟!
الآن.. رجال الأعمال موجودون كوزراء، وفى التعديل الأخير وحده دخل الحكومة ثلاثة أو أربعة منهم، ومع ذلك فإن أحداً لم يعترض، ولم يسأل أحد عن اختلاط المال العام بالمال الخاص، ولم يتكلم أحد عن زواج الثروة والسلطة، ولم يؤخذ شىء من هذا كله على السيسى، بمثل ما كان يؤخذ من قبل على مبارك، مع أن الحال هو الحال بالضبط، ومع أنه لا شىء فيه قد تغير، ومع أنه ما كان يقال وقتها، عن هذا الموضوع تحديداً، يمكن أن يقال حالياً، كما هو، ولكن لا أحد يقول، ولا أحد يعترض، ولا أحد يناقش، ولا أحد يرى احتمالاً لاختلاط المال العام بالمال الخاص، ولا أحد يتوقف عند زواج الثروة والسلطة، بمثل ما كان يتوقف زمان.. فماذا جرى، وما الذى طرأ؟!.. إنه سؤال حائر، أرجو ممن يملك عليه جواباً أن يدلنى عليه!
التجربة كانت ناجحة فى أيام مبارك، ولكنها، فيما بعد مبارك، ليست بالقدر نفسه من النجاح، وأكاد أقول إنها ليست ناجحة بالمرة، وإذا شئت دليلاً، فهو خروج أشرف سالمان من الحكومة، بعد عامين سمعت منه عنهما أنهما كانا أصعب عامين فى حياته، وأنه دخل الوزارة شاباً لا توجد شعرة بيضاء فى رأسه، وخرج منها وهو أقرب إلى الرجل الأشيب، رغم أنه لا أحد فى عائلته يشيب شعر رأسه فى هذه السن المبكرة!
موضوع «سالمان» يحتاج إلى أن أعود إليه فى حديث منفصل، حتى لا تلقى الوزيرة الجديدة، داليا خورشيد، نفس مصيره بعد فترة قصيرة، ولأنه موضوع يستحق أن أعود إليه.
غير أن السؤال هو: أين «الوقف الأعمى» الذى كانوا يردون به علينا كلما تساءلنا، قبل 25 يناير، عما يضمن عدم اختلاط المال الخاص للوزير، قبل دخوله الوزارة، بالمال العام بعد دخوله إلى مكتبه.. كانوا يقولون إنه لا شىء فى أن يصبح رجل الأعمال وزيراً، أو مسؤولاً فى الدولة، وأن هذا يحدث فى بلاد العالم كلها، ولكنهم هناك يعرفون فكرة «الوقف الأعمى» التى تقوم على أن تتولى تسيير أعمال رجل الأعمال، بعد دخوله الحكومة، إدارة مستقلة عنه تماماً، فلا يعرفها طوال وجوده فى الوزارة، ولا تعرفه، ولا يتصل بها، ولا تتصل به، ضماناً للحفاظ على حرمة كل قرش فى المال العام، ومنعاً لأى زواج بين المال والسلطة.. فأين هذا الوقف الأعمى، أم أن مثل هذا الزواج كان حراماً قبل 25 يناير، ثم صار الآن حلالاً؟!