«لم أعد أعلم ماذا أفعل لأننى مطلوب فى كل مكان».. وصية أو كلمة أخيرة كتبها الإرهابى «إبراهيم البكراوى»، الذى نفذ مع شقيقه «خالد» هجومين انتحاريين منفصلين فى مطار «بروكسل» ومحطة للمترو.. حسب تصريحات المدعى الفيدرالى البلجيكى «فريدريك فان لو»!.
جملة- رغم قصرها- كاشفة وصادمة، فـ«إبراهيم» لم يقم بالعملية الانتحارية إيمانا منه بمحاربة «الصليبيين»، كما تدَّعِى «داعش» فى بيانها، بل ربما كفراً بممارسات ما يسمى «دولة الخلافة الإسلامية».. «إبراهيم» هو ابن شرعى للحضارة الغربية، مولود فى «بروكسل» ويحمل الجنسية «البلجيكية»، لكنه ربما نشأ وتربى فى ضاحية «مولينبيك» فى بروكسل، التى تُعتبر معقلاً للإرهاب، فهناك وُلد ونشأ كثير من المتهمين بالتخطيط والتنفيذ لهجمات إرهابية فى أوروبا!. «مولينبيك» ضاحية أوروبية صحيح، يعيش فيها حوالى 97 ألف شخص، لكن نسبة البطالة ترتفع هناك إلى 40% فى صفوف الشبان، وتوصف بأنها «حى الإرهابيين المفضل».. فمنها يخرج الشباب للتدريب والقتال فى «سوريا»، ثم يعودون، «بعد غسل عقولهم»، لتنفيذ العمليات الإرهابية.. وقد رحل من هذا الحى فقط أكثر من 500 شخص للقتال فى صفوف «داعش»، وتتهم السلطات البلجيكية ما يسمى منظمة «الشريعة من أجل بلجيكا» المحظورة بتجنيدهم.
البعض منا يفضل أن يتعامل مع العمليات الإرهابية بأوروبا على طريقة «بضاعتهم رُدت إليهم»، لكن رغم إيمانى بأن الإرهاب «صناعة غربية» لتفتيت العالم العربى وتحويله لدويلات ضعيفة لصالح إسرائيل، إلا أن المشهد قد خرج عن سيناريو تصنيع «أسامة بن لادن» و«أبوبكر البغدادى».. حين تحول الإرهاب إلى مشروع استثمارى يضخ المليارات، بعدما عرف تنظيم «داعش» كيف يحتل الأراضى بالقوة ويسيطر على ثرواتها الطبيعية!.
يقول الخبير الأمريكى فى شؤون «اقتصاد الإرهاب»، تشارلز بريسد، إن تنظيم «داعش» هو أغنى تنظيم إرهابى فى العالم، حيث تتجاوز ثروته تريليونى دولار، أما دخله فحوالى 2.9 مليون دولار فى السنة، معظمه من بيع البترول والغاز!.
كما أن الصحيفة السويسرية «Le Matin» كشفت عن وثائق تبين تورط عدد من الشركات النفطية السويسرية الرئيسية فى تصدير النفط «المستورد» من مدينة جيحان التركية، وهى أحد الأماكن فى البلاد التى يُباع فيها النفط المهرب من قِبَل تنظيم «داعش»!.
فالقضية لا علاقة لها بالإسلام إلا فى اتخاذه جسرا لعبور الشباب من الحضارة إلى عصر الجاهلية.. حيث يمارس «نظرية الاستحلال» ويطبقها على الأوطان والأموال والممتلكات والنساء.. ثم ينتهى به المطاف إلى مجرد «شظايا إنسانية ناسفة» مبعثرة حول القتلى والضحايا.. لا تجعل لموته ثمنا ولا تصلح إلا لمضاهاة «D.N.A»!. يمكنك أن تتخيل كيف تنشط العناصر التكفيرية فى حى فقير مثل «مولينبيك»، ومَن الذى يمول المساجد والزوايا هناك، ومَن يرعى الأطفال والأرامل.. ثم يغرس فى عقولهم فتاوى «الجهاد» وهوس «الخلافة الإسلامية».. فيصبح الشاب مثل «المذؤوب»: بشر نهارا.. وذئب حين يهبط الظلام، أى حين تأتيه تعليمات التنظيم!.
فإن كانت أجهزة الغرب الاستخباراتية تدرب التكفيرى على السلاح والتقنية الحديثة، فلابد أن نعترف بأننا «الممول الأساسى» للأفكار التكفيرية.. لدينا تجار للأديان يرقصون مع الشيطان من أجل المال، وكتب تراث متعفنة صدئة نُطعم الآخرين سمها معنا، وفتاوى لتكفير كل الأديان والمذاهب حتى داخل الإسلام نفسه.
ولهذا يهرب معظم الإرهابيين الى أوروبا وأمريكا حيث التمويل وحرية الحركة، وتشترى جماعة «الإخوان» الإرهابية الميديا الغربية ليظل الرأى العام متصورا أن فض اعتصامى «رابعة والنهضة» كان مجزرة بشرية.. وهذا ما تتغذى عليه عقول الشباب الذى يُعتبر الجيل الثانى من المهاجرين إلى أوروبا.
فى قلب مجزرة مطار «بروكسل» نجا المبشر المورمونى «ميسون ويلز»، 19 عاما، وهى المرة الثالثة التى ينجو فيها من الموت بقنابل الإرهاب.. فقد صادف أن نجا من التفجيرات التى ضربت مدينة بوسطن الأمريكية، فى إبريل 2013، وأُصيب بجروح فى الهجمات الإرهابية على «باريس» نوفمبر الماضى!.
صحيح أن الموت والحياة لا علاقة لهما بالكفر والإيمان.. لكنى وجدتها رسالة من المولى عز وجل، ردا على دعاوى تكفير الآخر ورفع شعار «الحرب على الصليبيين». والآن مَن سيدفع الثمن؟.. قطعاً سيعانى كل أوروبى أو أمريكى مسلم أو من أصل عربى.. وستتوقف الدول الغربية عن استقبال اللاجئين السوريين الذين لم نمد لهم طوق النجاة.. فلا يردد أحدكم مقولة «انقلب السحر على الساحر».
إنها «لعنة» صنعناها جميعا، فأصابتنا دون استثناء.. إلا مَن رحم ربى.