لا يوجد شىء مبهر أو لافت للانتباه فى حكومة المهندس شريف إسماعيل الثانية، فالاختيار تم بالطريقة القديمة نفسها، إذ إن منابع أو مناهل الاختيار لم تخرج عن الجهاز البيروقراطى للدولة، والاستعانة فى بعض الوزارات الاقتصادية بخبرات من القطاع الخاص، وكل هذا مر من بوابة «الأجهزة الأمنية» التى تبقى لها اليد الطولى فى تمرير من ترضى عنهم، حاجزة من المنبع أى مختلفين لا تقرهم السلطة على اختلافهم، أو سياسيين لا يمكن قبولهم فى حكومات اعتادت أن تستوزر كبار الموظفين، فى نظام حكم يعتبر السياسة سقط متاع، أو ثرثرة فارغة، أو تنطعاً وتزيداً غير مقبول.
يكاد ينطبق على هذه الحكومة المثل القائل: «ذهب مخيمر وجاء عثمان وبقيت على حالها دار لقمان» أو العبارة الشهيرة التى أبدعها الساخر الراحل أحمد رجب «الوزارة فى المغارة»، لكن قد ترد الحكومة وتقول: «لا تصادروا على المطلوب، ولا تحكموا علينا قبل أن نبدأ، اعطونا وقتاً، امنحونا الفرصة»، وقطعاً لهم كامل الحق فى هذا، مع الأخذ فى الاعتبار أن رئيس الحكومة مستمر ومعه أغلب فريقه الوزارى، سواء من عملوا مع سلفه إبراهيم محلب أو من اختارهم هو فى وزارته الأولى.
ابتداء فهناك أسباب أو عوامل حدت بالرئيس إلى الذهاب نحو هذا التعديل، حتى لو كان شكلياً، وهى:
أ- سبب دستورى، يرتبط بالمادة 146 من الدستور، والتى تنص على موافقة البرلمان على برنامج الحكومة، ولم يكن مستساغا أن تقدم الحكومة بوجوهها القديمة كاملة مثل هذا البرنامج على برلمان بعض نوابه لديهم تحفظات على بعض الوزراء. وليس معنى هذا أن التغيير راعى هذه التحفظات كاملة، إنما التفت إليه على الأقل فى وزارات المجموعة الاقتصادية، وإن كان قد غفل عنه فى وزارات أخرى مثل التربية والتعليم والأوقاف، أو اعتراضات قطاع من الرأى العام على وزير الداخلية، أو حتى رغبة الناس، وفى مقدمتهم الساسة داخل الأحزاب وخارجها، فى معرفة لماذا غادر هذا؟ ولماذا جاء ذلك؟ ولمَ بقى من بقى فى التشكيل الجديد؟
ب- سبب موضوعى يتعلق بتوعك بعض الوزارات، وسوء أدائها، لاسيما المجموعة الاقتصادية التى تم تحميلها الإخفاق فى جذب الاستثمار، ومواجهة التضخم، وارتفاع سعر الدولار وانخفاض القوة الشرائية للجنيه، وتحرك أسعار السلع إلى الأمام بخطوات واسعة، وزيادة البطالة، والتهميش الاجتماعى، والإخفاق فى تمكين الشباب.
ج- سبب نفسى، إذ إن الرئيس الذى يريد أن يكسب مزيدا من الوقت ليؤخر الانفجار عبر تحقيق إنجازات أو تقليل الأعباء ربما نظر إلى التعديل الوزارى على أنه آلية لإراحة نفوس الناس ولو إلى حين، وإطلاق طاقة جديدة من الصبر لديهم على الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، ودفعهم دوما إلى منح السلطة فرصة تلو أخرى.
د- سبب دعائى، يرتبط بإيصال رسالة تقول إن رئيس الجمهورية يتابع أداء الوزارات، ولديه وسائل لقياس نبض الشارع، وهو حريص على التعديل والتغيير والتجريب، أو تحقيق «الصالح العام» أو «صالح العمل» وفق العبارة الإدارية ذائعة الصيت، والتى طالما فتحت باباً لارتكاب مخالفات وتجاوزات وانتهاكات.
وحتى لا تبقى هذه الوزارة عند حالها القديم عليها أن تدرك عدة أمور، أوردها هنا، وهى قابلة للزيادة والإضافة والإزاحة أيضا، ويمكن ذكرها على النحو التالى:
1- لابد للوزارة أن تفارق العمل وفق طريقة «الجزر المنعزلة»، حيث يغطس كل وزير فى وحل وزارته، منشغلا بالتفاصيل، ولا ينسق مع الآخرين، خصوصا الوزارات التى تتقاطع أو تتفاعل مع وزارته. فالتناغم بين الوزارات لم يعد احتمالا، إنما ضرورة، وإلا سقطت فى الفخ نفسه الذى ابتلعها طيلة السنوات الفائتة. فمثلا، كيف لعاقل أن يتصور ألا يتم التنسيق بين وزارات السياحة والآثار والثقافة والطيران.
2- لابد من تصحيح السياق السياسى- الاجتماعى الذى تعمل فيه الحكومة، فمن العبث أن يعتقد رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أن بوسع وزارة الاستثمار أو السياحة مثلا أن تعملا بينما تعانى الحريات العامة من التضييق، وتتدهور الحالة الأمنية، وتبقى الصورة المجروحة لمصر فى الخارج لاسيما فى سجل حقوق الإنسان على حالها، وتستمر التشريعات والقوانين المعوقة لجذب رؤوس الأموال الخارجية أو تشجيع رجال الأعمال والمال المصريين على الاستثمار. فالتصورات التى تقوم على أن التنمية عملية منفصلة عن السياسة تنطوى على خلل وخطل شديدين، وآن الأوان أن يتم فهم الأمر على طبيعته، فلا تعارض بين التنمية والديمقراطية، والأمن الحقيقى هو الذى لا ينسى فى إجراءاته رضا الناس، وفتح المجال العام، واحترام القانون.
3- لابد للوزارة أن تمارس الصلاحيات التى وفرها الدستور بشكل واضح، والتى يتنازلون عنها، حتى الآن، فيرضى رئيس الوزراء بدور بسيط لا يزيد عن كونه سكرتيرا لرئيس الجمهورية، فيما يتعامل الوزراء على أنهم مجرد موظفين كبار، يجلسون على رأس الجهاز الإدارى أو التنفيذى والبيروقراطى للدولة، أو مجموعة من الخبراء الفنيين المختصين كل فى مجال وزارته، وليسوا مسؤولين سياسيين بالدرجة الأولى، أو مجرد موظفين عليهم أن يرضخوا أمام تعليمات الأمن، حتى لو كانت ستوردنا مورد الهلاك.
4- من الضرورى أن تنطلق هذه الحكومة من إطار أو تصور متماسك، من الممكن أن يكون مشروع «مصر 2030» أو «برنامج الحكومة»، التى ستقدمه بعد غد إلى مجلس النواب لينظر فيه، أو أى أطر أخرى، يتم العمل من خلالها، والعودة إليها، وتقسيم ما ورد فيها إلى إجراءات قابلة للتطبيق، مع وضع جداول زمنية لتطبيق كل جزء منها، وتحديد آليات للتصحيح المستمر، والوقوف على العقبات التى تستجد، والعمل على حلها.
5- تحديد الأولويات التى على الحكومة أن تنشغل بها خلال الفترة المقبلة، طالت أو قصرت، على رأسها مكافحة الفساد، ومواجهة الإرهاب، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وترشيد النفقات، وتشغيل الطاقات الكامنة والمعطلة للدولة، وتمكين الشباب.
6- تكليف كل وزارة بتقييم عملها فى الفترة المقبلة، سواء تغير وزيرها أو استمر فى موقعه، للوقوف على مواقع الخلل، وتحديد أسباب الإخفاق أو التباطؤ أو الإهمال، وسبل تلافيها فى قابل الأيام.
7- تحديد آلية داخلية لمحاسبة الوزراء، وفق مدة زمنية محددة، ولتكن ثلاثة أشهر، يكون على الوزير بعدها أن يوضح لرئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية ما حققه من الخطة المكلف بها، والنابعة من برنامج الحكومة أو مشروع «مصر 2030» أو إضافاته واجتهاداته هو ومساعديه والقوة الفاعلة فى الوزارة. وبالتالى يقف الرئيس ورئيس الوزراء على معرفة الوزير الذى يحقق تقدما، وذلك الذى تتدهور أحواله، أو يقف فى مكانه ولا يبرحه، فيثاب المجتهد المنجز، ويعاقب المتخاذل الفاشل.
8- ضرورة التواصل مع الشعب، صاحب السيادة والمال والشرعية، سواء عبر البرلمان أو بطريقة مباشرة بواسطة الإعلام المقروء والمسموع والمرئى، أو إصدار البيانات المتتالية التى تبين للناس ما تم تحقيقه، وما ينتظر، والعقبات التى تحول دون حل بعض المشكلات المطروحة. ومن المهم أن تخلق هذه الآلية «تغذية مرتدة» أو عكسية، تؤخذ فى الاعتبار، وتصحح المسار.
9- يجب أن يدرك كل وزير أنه لن يحقق كل أهداف وزارته بنفسه، مهما بلغ ذكاؤه أو فاق جهده أو عظمت قدرته وتعمقت خبرته، إنما عليه أن يثق فيمن حوله، ويفوضهم بصلاحيات واضحة وواسعة، بعد أن يقوم بخطوتين أساسيتين، الأولى هى وقف ظاهرة «الفرز العكسى» فى مؤسسات الدولة التى تُعلى من شأن وتقرب المنافقين والمداهنين والملاينين، فيتم ترفيعهم فى الجهاز الإدارى للوزارات، ويتم استبعاد من يعتدون بذواتهم ويحترمون أنفسهم مهما كان مستوى إخلاصهم أو عمق خبرتهم. والثانية هى عدم الرضوخ لتقاليد الأقدمية، إذ يمكن للوزير إن وجد شاباً لديه من الكفاءة ما يفيد العمل أن يرقيه ويدفعه إلى الأمام، وأن يتم هذا وفق قاعدة «أهل الخبرة مقدمون على أهل الثقة».
10- أن يبتعد الوزراء عن المظهرية التى شابت عمل بعضهم من قبل، ولاتزال، إذ يعتقد هؤلاء أن مغازلة الإعلام وكسب رضاه حول أعمالهم، حتى لو كانت ضعيفة بائسة، كافٍ لتسويق أنفسهم فى خانة الناجحين. فالناجح ليس هو من يتحدث عن نفسه طويلا، إنما من يفعل وينجز بما يدفع الآخرين إلى الحديث عن نجاحه.