اسم الإدارة المحلية يعنى أنها إدارة تحكم نفسها بنفسها، إذن هى ليست فى حاجة إلى قرارات تمنحها هذا الحق، حينما نتحدث عن سلطة المحافظين على أنها إدارة محلية يعنى ذلك أن لا أحد من السلطة المركزية فى العاصمة يتدخل فى تسيير أعمال المحافظة، أى محافظة، بالتالى ما الداعى لوجود وزارة بهذا الاسم، أو وزير بهذا الاسم، إلا إذا كان الهدف من وجوده هو تعويق عمل المحافظين، أو إفراغ هذا المعنى من مضمونه.
المحافظون فى كل الأحوال كالوزراء، يجب أن يكونوا خاضعين لرئيس الوزراء مباشرة، بل الأصح أنهم يتبعون مباشرة رئيس الدولة، الذى من المفترض أنه يترأس اجتماع المحافظين كما جرت العادة مع كل الرؤساء، يعرضون عليه طلباتهم واقتراحاتهم، التى قد تتعثر على أعتاب مجلس الوزراء لأسباب عديدة، قد تكون فى مقدمتها الأيدى المرتعشة.
هناك ما هو أكثر من ذلك أيضاً، وهو أن المحافظ بمثابة رئيس دولة فى محافظته، هذا ما أراده الرئيس الراحل أنور السادات، من أجل ذلك أصدر القانون رقم ٤٣ لسنة ١٩٧٩، الذى يمنح المحافظ سلطة رئيس الدولة، إلا فيما يتعلق بعمل الأجهزة السيادية، لكن للأسف أضاف القانون: أو ما يصدر بشأنه قرار، هذه الكلمات الأربع تم استغلالها أسوأ استغلال، أصبحت هناك قرارات تنتقص من سلطات المحافظين تصدر يوماً بعد يوم، إلى أن وجدوا أنفسهم أشبه بخيال المآتة، كلٌ فى محافظته.
هذه هى الحقيقة، إذا بحثنا جيداً خلف منصب المحافظ فلن نجد لديه أى سلطات من أى نوع، إلا فيما ندر، الإسكان فى محافظته يتبع وزارة الإسكان، الصحة تتبع وزارة الصحة، التعليم يخضع لوزارة التعليم، حتى المياه والصرف الصحى والطرق لا تتبع المحافظ، لا يتم عرض كل ما يتعلق بالمرافق والخدمات على المحافظ، بل ما يتعلق بأى نشاط صناعى أو تجارى، قد يكون المحافظ طوال الوقت فى خلاف مع القائمين على أمر هذه الخدمات وتلك المرافق، عليه أن «يخبط راسه فى الحيط» لن يسأل عنه أحد.
الطامة الكبرى هى وجود وزير للإدارة المحلية على رأس المحافظ طوال الوقت، افعل ولا تفعل، أصدر هذا القرار، وأوقف تنفيذ هذا القرار، بالتأكيد الوزير، أى وزير، ليست لديه دراية كافية بطبيعة هذه المحافظة أو تلك مثلما المحافظ، الطامة الأكبر إذا لم تكن لديه دراية أساساً بعمل الإدارة المحلية فلن ينال احترام المحافظين أبداً، هو إذن سوف يُصدر تعليمات فى معظمها معوقة للعمل، هى فى طبيعتها غير واقعية تحت بند المواءمات السياسية، الضرورات الأمنية، المتطلبات البدنجانية فى المهلبية الفسكونية.
نحن نتحدث عن واقع يومى يعيشه المحافظون فى كل بر مصر، تتبعتُ خلال الأيام الماضية أزمة محافظة الإسكندرية المالية والإدارية، وجدتها بكل جوانبها تنبع من السلطة المركزية فى القاهرة، تدخلات وزير الإدارة المحلية، والوزراء، ورئيس الوزراء، المحافظ يلطم الخدود، رؤساء الأحياء يشقون الجيوب، المواطنون يلعنون الجميع بدعاء الجاهلية، ليس أمامهم سوى كنس عتبة المرسى أبوالعباس، كل صباح ومساء، لا حياة لمن تنادى.
خزائن المحافظة خاوية، شركة القمامة تحتاج إلى ١٦ مليون جنيه شهرياً، لا تتوافر منها سوى أربعة ملايين تسددها الكهرباء فى منتصف الشهر بعد جمعها من المواطنين، عقود إيجارات الحديقة الدولية يشوبها الكثير من الشبهات، كل المسؤولين فى الإسكندرية تقريباً بلا صلاحيات، يتم توصيل المرافق للعقارات المخالفة بأوامر فوقية، يتم وقف الإزالات بتعليمات عليا، القاهرة هى التى تدير من خلال رجال الأعمال وأصحاب المصالح.
المحافظ الحالى تحديداً ربما كان أدرى الناس بطبيعة الإدارة المحلية، كان أميناً عاماً للإدارة المحلية فى كل بر المحروسة سنوات طويلة، تدرج فى هذا المجال طويلاً وكثيراً، كل ذلك لم يشفع له، عليه أن يسمع كلام الأستاذ مُدرس الفصل، ممثلاً فى الوزير، وكلام السيد مدير المدرسة، ممثلاً فى رئيس الوزراء، لا أدرى لماذا لا يسجل موقفاً يستفيد منه كل أقرانه، لماذا لا يتقدم باستقالة مسببة ومسهبة تكشف المستور؟
ارفعوا أيديكم أيها السادة، ذوى السلطة بالقاهرة، عن المحافظات والمحافظين، أعيدوا إلى المحافظات سلطاتها وإلى المحافظين صلاحياتهم، لتذهب إلى الجحيم تلك الوزارة التى لا ضرورة لها، لينسحب من المشهد كل من ليست له صلة بالإدارة المحلية، ليكن قراراً رئاسياً خالصاً لله، ومخلصاً للوطن، لنحاسبهم فى نهاية كل عام، من خلال السلطة الرسمية، وليس من خلال وصاية أصحاب النفوذ والفلوس.