بذرة الحضارة التي لا تموت

سمير فريد الإثنين 21-03-2016 21:20

قام الشعب السورى عام 2011 بثورة ضد نظام الحكم البعثى الاستبدادى من أجل الحرية والديمقراطية، وبقدر ما كشفت مقاومة هذا النظام للثورة عن مدى القسوة التى يمكن أن يصل إليها الإنسان فى الصراع من أجل السلطة والنفوذ، حتى لو أصبح نصف الشعب من اللاجئين، وحتى لو انتشر الخراب والدمار فى كل مكان، بقدر ما كشفت عن الجانب الآخر من الإنسان.

اللاجئون السوريون وغير السوريين من ضحايا الدول الفاشلة فى العالم العربى وأفريقيا، والذين يموت منهم الآلاف وهم يعبرون البحر المتوسط إلى اليونان ليصلوا إلى أوروبا، كشفوا ذلك الجانب الآخر من الإنسان، هناك تسع جزر يونانية صغيرة فى بحر إيجه، يعيش سكانها على صيد الأسماك، ولا يتمتعون بأى قدر من الرفاهية، فضلاً عن تأثير الأزمة الاقتصادية فى اليونان على حياتهم، ومع ذلك فقد تكونت فيها مجموعات من المتطوعين لمساعدة اللاجئين، وقامت أكثر من مائة جامعة فى مختلف دول العالم بترشيح 16 مجموعة منهم للفوز بجائزة نوبل للسلام عام 2016، وأيدت الترشيح مؤسسات وشخصيات دولية بارزة، وأكثر من نصف مليون مواطن يونانى، وعدد من أعضاء البرلمان الأوروبى، وأتمنى أن تؤيد جامعة القاهرة هذا الترشيح، وعلى رأسها الدكتور جابر نصار الذى يعيد لها مكانتها داخل وخارج مصر.

لم ينتظر أى من أفراد تلك المجموعات «تعليمات» من أحد، ولا «دعماً» من الحكومة، وإنما بادروا تلقائياً وتطوعوا ونظموا أنفسهم بأنفسهم.

فى إحدى تلك الجزر ليس هناك سوى قارب صيد واحد، لكن مجموعة الجزيرة استخدمته فى إنقاذ مئات اللاجئين من الغرق، وفى جزيرة أخرى يوزع صاحب الفرن الوحيد مجاناً ويومياً كميات كبيرة من الخبز والكعك على اللاجئين، ثم هناك صورة «الجدات الثلاث»، التى تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل الاتصال الاجتماعى، وفيها تمسك إحداهن بعبوة حليب لطفل رضيع فقد والديه وكل أسرته، فيما تنظر الجدتان الأخريان إليه بحب وحنان.

نعم، يرفض أنصار أحزاب اليمين المتطرف فى اليونان ودول أخرى استقبال اللاجئين بدعاوى «قومية» و«دينية»، وهم فى ذلك امتداد لوحوش الدول الفاشلة، ولكن «جين» أو بذرة الحضارة لا تموت، وقد شهدت اليونان فى القرن الخامس قبل ميلاد المسيح أعظم حضارات أوروبا، ويتجلى استمرار «جين» الحضارة حياً فى الدماء عند هؤلاء الصيادين الفقراء، إنه «جين» يظهر فى الأزمات أكثر من أى وقت آخر، وقد تجلى عند المصريين، وهم أصحاب الحضارة القديمة مثل اليونانيين فى أوقات الأزمات أيضاً فى 9 يونيو 1967 عندما رفضوا الهزيمة فى حرب 5 يونيو ذلك العام، وعندما انقطعت الكهرباء عن كل مصر عام 1987، ولم تحدث حادثة سرقة واحدة أثناء انقاطعها، وما الحضارة إلا تهذيب الوحش داخل الإنسان.

samirmfarid@hotmail.com