خلال الأيام القليلة الماضية اتخذ البنك المركزى إجراءات خاطفة تتعلق بسعر العملة. انخفض بالجنيه 112 قرشاً أمام الدولار. كانت خطوة مفاجئة. اعتبرها البعض سلبية. اعتبرتها غير ذلك. أى أنها إيجابية من وجهة نظرى. فهى خطوة ضرورية. فرضتها ضغوط السوق ومقتضياته. فكانت حزمة القرارات هذه للضرورة. حتى لا نكون مثل النعامة التى تدفن رأسها فى الرمال. سيستفيد من هذه القرارات كل مصنع مصرى غلبته البضاعة المستوردة. سيستفيد كل مصدر. وكل منتج زراعى. أولهم الفلاح. لا ننسى أن أمريكا كانت تمارس الضغط على الصين كى ترفع سعر عملتها. كانت تتهمها بتعمد تخفيض سعر عملتها حتى يتسنى لها التصدير لكل أسواق العالم.
ليس هناك عيب فى ذلك. فالحكمة تقول أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً. لكن هذا الوصول المتأخر قد ينفع مرة أو اثنتين. إنما يستحيل أن يكون سياسة ممنهجة. لأننا إذا فعلنا ذلك نرتكب أكثر من خطأ. يجب على البنك المركزى أن يتحرك انعكاساً لواقع الحال. يجب أن يتحرك على أثر سقوط الطائرة الروسية، وتأثيره على السياحة. فتأخر الحركة يُؤثر علينا فى أكثر من جانب.
الأول: أن الدولة لن تقود سعر الصرف، وهنا أتحدث عن قيادة، عن توجيه، عن تنظيم، عن دور مؤثر للدولة من أجل المصلحة العامة. ولا أتكلم عن تحكم. والفرق شاسع بين القيادة والتحكم. فلا أحد يستطيع أن يفرض إرادته على السوق الطبيعية التى تخضع لمفاهيم العرض والطلب. يستطيع البنك المركزى أن يضع سياساته ويُحدثها بشكل مستمر، حتى لا يتأخر أبداً عن حركة السوق، فيتكرر المأزق، وتتفاقم الأزمة، التى واجهناها خلال السنوات الماضية. فالعشوائيات فى أى جانب من مجتمعنا تنشأ نتيجة تأخر الدولة. جمودها. تقصيرها فى تحديث سياساتها. مراجعة خططها بانتظام. وإلا كانت الغفلة. انظر حتى للعشوائيات السكنية، إنها بالتحديد نشأت للسبب ذاته. فاستمرار التجاهل للسوق وما يحدث فيها من تفاعلات يعنى ترك مكان شاغر، أى ترك دور ومكان الدولة لآخرين مجهولين لا نعلمهم. وهذا خطر.
الثانى: أن نحافظ قدر المستطاع فى ضوء مواردنا المتناقصة من العملات حالياً على الحد الأدنى من الاستقرار بالنسبة للجنيه. وذكرت من قبل فى هذه الزاوية، حين تفاقمت أزمة سوق الصرف، أن المستثمر الأجنبى لن يذهب إلى أى مكان يواجه اضطراباً فى العملة، حتى لو فى أمريكا أو فى سنغافورة أو فى دبى أو فى أى بلد آخر على وجه الكرة الأرضية.
تحية للبنك المركزى الذى بدأنا نشعر بأنه لن يصل متأخراً بعد الآن، خصوصا إذا استمرت الحركة فى تحديد قيمة الجنيه المصرى كما هو الحال مع جميع عملات العالم.
■ ■ ■ ■
لفتة اهتمام: لست مسؤولاً عن «المصرى اليوم» ولا أديره ولا أملك إدارته، ولكن مسؤوليتى تقتضى أن أنبههم من الغفلة، لأن «المصرى اليوم» مرجع فى الدقة والمصداقية. وبالأمس ورد خطأ بالصفحة الأولى، تكرر فى صفحة 6. فكلام رئيس الوزراء جاء سليماً فى المتن. لكن العنوان تجاهل المتن وجاء باختراع من عنده أن عجز الميزانية 864 مليار جنيه، فى حين أن هذا الرقم هو حجم الميزانية كلها.