حبك... نجاة

مي عزام الأحد 20-03-2016 22:03

جاء يوم عيد الأم، وجرت العادة أن نكتب عن هذا اليوم المجيد في حياة الأمهات المجيدات اللواتى يتلقين الهدايا من أبنائهن الأوفياء... سمعت الشيخ خالد الجندى في الإذاعة يحث الأبناء على تقديم الهدايا لأمهاتهم في عيدها ولا يستمعون لمن يقول لهم إنها بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، كما يردد المتشددون، فعلى المسلم أن يستفتى قلبه ويراجع ضميره في هذا الموضوع الخطير!!.

الرجل يقدم نفسه بصفته من مجددى الخطاب الدينى وقلبه العامر بالإيمان والسكينة يتسع للبدع الحسنة كعيد الأم وغيرها، وكاد الجندى أن يفتى أن عدم الاحتفال بعيد الأم وتقديم هدية تدخل السرور على قلبها من الكبائر، وتدخل تحت بند عقوق الوالدين ... والحمدلله الذي بلغنا عيد الأم.

قبل عيد الأم تكون هناك مشاورات عائلية تدور حول السؤال التاريخى: هنجيب إيه لماما السنة دى؟ وتبدأ الاقتراحات، ونشترى الهدايا ويجتمع شمل العائلة في يوم ست الحبايب، ثم يذهب كل منا في طريق، ويعود لحياته التي تأكله وتنسيه حتى نفسه.

ماذا بقى من مشاعر الأمومة والأبوة والبنوة ؟! بعيدا عن مظاهر الاحتفال: الهدايا والأغانى وتجديد الخطاب الدينى... وماذا بقى للأم من إمبراطوريتها الواسعة وقوتها الناعمة؟

الإمبراطورية تآكلت أطرافها ولم يبق منها غير أربع حيطان، والقوة ذهبت مع تشتت الفكر وتعدد الاهتمامات.

الأطفال يراقبون الأمهات وليس العكس، حكت لى إحدى قريباتى ودموعها تختلط بالابتسامة كيف تسخر ابنتها (4 سنوات) من سمنتها ومؤخرا قالت لها: «إنت ليه مش زى حلوة زى نانسى عجرم يا مامى؟»، وعندما وجدت أمها غاضبة داعبتها قائلة: «بس أنا بحبك»، بالفعل زاد وزنها كثيرا بعد الحمل والولادة، خسرت رشاقتها واهتمامها بجمالها، بين العمل في الصباح ورعاية الأولاد والزوج في المساء، فقدت صورتها القديمة ولم يعد لديها وقت للاسترخاء أو التفكير في نفسها... هل يحس الأولاد بعنائها أم أنهم كانوا يفضلون أما مثل نانسى أو هيفاء أو غادة عبدالرازق، تغنى لهم بدلال ورشاقة، وتغدق عليهم الهدايا الثمينة ويطوفوا معها العالم بصحبة المربية، ويتابع المعجبون صورهم على إنستجرام؟

الأم موضة فردوس محمد وأمينة رزق اختفت من حياتنا، موديل قديم لا يناسب العصر، مشاهد البوح بالأسرار التي كانت تجمع الأم بابنتها أو ابنها أصبحت نادرة، الجيل الجديد استعاض عن الخبرة بالمعرفة، أبواب المعارف أصبحت عند أطراف أصابعه، كما أن الفضفضة والبوح مع الشلة أكثر أريحية وأقل تكديرا، فلا تقريع ولا نصائح ولا محاولات لفرض السيطرة.

لم يعد لدى أولياء الأمور جديدا يبهرون به أبناءهم لكن العكس هو الصحيح... فنحن ضيوف في عالمهم، أما عالمنا القديم فلقد غرق مثل تايتنك... كان عظيما وفخما وثريا، لكنه لم يستطع أن يتفادى جبل الثلج.

الأم التي تستيقظ فجرا، لتحضر الفطار وكوب اللبن وسندوتشات المدرسة أصبحت عملة نادرة، العصائر والألبان المعلبة أصبحت بديل الطازج، و«كنتين» المدرسة عامر بالأطعمة ذات الأغلفة البراقة، لم يعد الأطفال يرغبون في تناول إفطار بختم «صناعة منزلية»، يخجلون منه، العولمة وصلت بيوتنا، أولادنا يريدون أن يأكلوا ويشربوا مثل الآخرين السعداء الذين يظهروا في الإعلانات التي تحاصرنا ليلا ونهارا.

مهام الأم التقليدية تنحصر يوما بعد يوم، الأمهات يشعرن بالقلق، تقلص أدوارهن وفقدانهن السيطرة على الأبناء يشعر الأم ذات التفكير التقليدى بالتوتر، فتحاول جاهدة أن تجد لها بدائل لعلها تستعيد بعض من مجد الجدات، فتلهث وراء أبنائها في النادى، وتحرص على اصطحابهم إلى تمرين السباحة وغيرها من الألعاب الرياضية، وهى تظن أن ذلك دورها الحقيقى ومكانها الطبيعى.

الأم الجديدة ليست بحاجة لأن تدخل منافسة مع نانسى عجرم في مظهرها، ولا مع صديقاتها في النادى في حرصهم على مواعيد تمرينات الأولاد، ولا مع جارتها التي تمنح أبناءها مصروفا خياليا، فلديها مالا يمكن أن يجد الأبناء له بديلا، مالا يمكنهم شراؤه من المول ولا طلبه دليفرى، لديها مالا يمكن الاستغناء عنه، أواستبداله... لديها الحب... الحب المصفى من أي شوائب... حب بلا شروط أو حدود... لو لم تفعل الأم أي شيء لأولادها غير أن تشعرهم بحبها وحنانها لكفاها ذلـك، حب الأم يشفى ويحمى ويقوي.... يعنى بلغة ولادنا 3X1 ... حب بطعم المعجزات.... كل سنة وكل أم بخير وهنا.

Ektebly@hotmail.com