سنكسركم

أحمد الدريني الأحد 20-03-2016 21:25

تقاتل الأرضُ مع أصحابها، ويدرك أبناؤها شفرة حديثها.

العابرون سيذهبون ونبقى نحن هنا.

ستتبدل الأنظمة وتتغير القناعات وتتفاوت المواءمات وتتعدد الاتفاقات.. وتبقى الأرض أرضنا.

سيذهب الرئيس عبدالفتاح السيسي وسيحال أعضاء المجلس العسكري للتقاعد إن آجلًا أو عاجلًا، كما ذهب الرؤساء من قبل وكما انطوت أجيال وذهبت في غياهب النسيان – أو لوحات الشرف- أسماءٌ وأسماء.

وسيحاسب التاريخ الجميع، وستنشر الشهادات يوما ما- كما هو جار الآن- وسيتبين الناس من أخلص ومن فرط، من قاوم ومن تخاذل، من أجاد ومن أخفق.

وعلى رؤوس الأشهاد، وفي ضمير التاريخ ستقر الحقائق وتتجذر في وعي الناس، وستسلمها الأجيال لبعضها بعضا.

ستخلدها الأمثال والحكايا وثرثرات الأجداد للأحفاد وحواديت الجدات قبل النوم.

الحقيقة في أرضنا لا تضيع، نرثها جيلٌ فجيل.

لن يضيع جهد سدى، ولن تجامل ضمائر الناس مفرطًا واحدًا في الأرض أو الفرد.

وسنبقى نحن، وسيبقى الجندي المصري لا يكسره أحد ولا يجهز عليه عدوٌ، إلا وقام له ورد الصاع صاعين.

نحن أصحاب الأرض وحراسها، أما إرهابيو سيناء فخبثٌ عابر، مالم تطهره نيراننا، فستجرفه عزيمتنا وصمودنا، كما يجرف السيل وسخ الأرض الذي ليس من نبتها.

(2)

لا تلبث الأسئلة أن تطرح نفسها في كل مرة، وأن تتجدد مع كل مأساة.

كيف يقتلوننا في سيناء بكل هذه السهولة؟ كيف قبضوا مئات الأرواح وشيعوا الحزن إلى بيوتنا وقرانا من شمال البلاد لجنوبها؟ كيف استهدفوا كمائننا ومركباتنا العسكرية وحافلات نقل الجنود؟ بل كيف ضربونا برًا وبحرًا؟

حين يخيم الحزن، يتساءل الجميع، المتخصص وغير المتخصص، المخلص الغاضب والمغرض المتربص.

وحين يتعلق الأمر بالأرواح فالأسئلة مشروعة والإجابات ضرورية، أيًا كانت بواعث السائل. فإذا لم توضح وتستأصل الفتنة من جذرها، فمتى تتكلم؟

هل هناك سوء تخطيط وإدارة؟ أم أن الجاري هو طبيعة المعركة والخسارات إلى الآن معقولة وعادية بحسابات الظرف؟

هل نؤدي أداءً ممتازَا رغم كل شيء، وأنه لو كان غيرنا الذي ساقته الظروف إلى ما نحن فيه لما صمد كل هذا؟

هل نجرب حربًا لم نعهدها ومازلنا لم نبلور إلى الآن طريقةً مثلى للتعامل؟ هل يتطور آداؤنا أم مازلنا محصورين في عقول ضيقة وخطط عقيمة، وتخبطات عنيفة؟

الأسئلة مشروعة وكثيرة، لكن هل يجيب أحد؟ هل نقطع الشك باليقين؟ هل يؤمن أحد بحق هذا الشعب في معرفة ما يجري دون القفز إلى معلومات ذات طبيعة خاصة ودون إفشاء أسرار عسكرية؟

هل من حق البيت المصري الذي قدم ويقدم وسيقدم أبناءه للمجهول في سيناء أن يعرف؟

قولًا واحدًا: نعم من حقه! وما سوى ذلك خيالاتٌ ضالة في أذهان معلولة.

(3)

في السكون والطمأنينة التي تحدث بها والد الشهيد البطل أيمن محمد أبوشويقة رسالةٌ مدهشة وحاسمة.

يقول الأب «عندي ولدين وأنا التالت بتاعهم أبوهم.. عندنا استعداد نروح الجيش إحنا التلاتة ونلبس الميري عشان نجيب حق محمد». هذا لسان حال والد، جاءوا إليه بجثمان ابنه (أشلاء!) بعدما احتضن إرهابيًا يرتدي حزامًا ناسفًا كي يفدي بقية زملائه.

فإذا كان هذا هو حال البيت المصري الذي يعلن الأب فيه عن رغبته في الالتحاق بالجيش هو وبقية أبنائه بعد استشهاد نجله الأكبر، فكيف يمكن لهذا الشعب أن ينهزم؟

قبل الحديث عن القيادة العسكرية والسياسية للبلاد، ينبغي توجيه دفة التركيز للبيت المصري الذي لا يصيبه الذعر مهما تسلل إليه الحزن، ولا تكسره المصائب مهما كان قدر الوجيعة، ولا ترعبه الفجائع بمقدار ما تلهمه وتلهب عزيمته.

هذا بيتٌ سيظل يقاوم بكل أفراده، إلى أن ينجلي عن الأرض الخَبثُ العابر.

في الأعمال الإرهابية الجارية في سيناء والتي زادتنا وجيعة جديدة باستشهاد 15 من أفراد الشرطة بكمين الصفا جنوب العريش، خطة لتكسير الإرادة قبل أن تكون محاولة عابرة لقتل عدد من أفراد الجيش والشرطة.

فحين يرتعد البيت المصري الذي يرسل أبناءه ضباطًا ومجندين إلى سيناء، ساعتها ستثمر كل أعمال القتل والتفجير والاستهداف، وساعتها سيحققون أهدافهم.. المعركة معركة إرادة على المدى البعيد، قبل أن تكون حسابات أرواح ومعدات في المدى القريب.

وحتى اللحظة، ورغم هول الفجائع المتتالية، مازال البيت صامدًا.

(4)

احشدوا ما استطعتم وتعالوا إلينا في أرضنا.

فمثلما شيعتم جنودنا للجنة سنشيعكم للنار، لا يأمن أحدكم أن يكمل شربة ماء ولا يهنأ أحدكم على لقمة، فلعله وهو آخذ بها إلى فمه أن تكون آخر ما يطعم في هذه الدنيا.

ببساطة شديدة: سنكسركم!