أكيد.. هناك علاقة، ولو كانت طردية، بين طابا ومؤامرات الانفصاليين فى سيناء.. والمناسبة احتفالان، أولهما تأكيد «مصرية» طابا وعودتها للوطن الأم بعد 7 سنوات من التفاوض والتحكيم.. وثانيهما هذا الحادث الإرهابى الذى تعرض له موقع أمنى فى مدينة العريش.. وفى نفس اليوم.
الأول: كان معركة دبلوماسية - سياسية لجأنا فيها للتحكيم الدولى بسبب محاولة إسرائيل الاستيلاء على أمتار محدودة عند طابا.. والاختلاف حول موقع 14 نقطة حدودية تؤكد مصرية طابا.. ولكن إسرائيل حاولت التحايل، كعادتها، لتحصل ولو على أمتار قليلة من هذا الموقع شديد الخطورة على حدودنا الشرقية.. ونجحنا فى استعادة طابا بعد معركة تأكدت فيها قوة تلاحم «كل القوى المصرية» من علماء ومؤرخين.. ودبلوماسيين وعسكريين.. وحتى علماء الجغرافيا.. بل إن الأرض نفسها أكدت مصريتها وسمعناها «تتكلم بالمصرية»!! ولم يتأخر شىء لم يؤكد مصرية المكان.. حتى أشجار الدوم الشهيرة.. وتلك الصورة الدامغة لقوات مصرية جلست تستظل تحت أشجار الدوم جاءت لتؤكد أن طابا مصرية.. وقد كان.
وطابا تردد اسمها - بشدة - فى مناسبتين، وكلتاهما تتعلق بالسيادة! أى النزاع على تبعيتها، الأولى عام 1906 عندما حاولت السلطة العثمانية استفزاز مصر، وتنكرت لكل الفرمانات والاتفاقيات السابقة التى تؤكد مصرية طابا، وأرسلت قوة عسكرية نزلت عند طابا.. ونسيت أنها - أى السلطة العثمانية وهى دولة الخلافة - قد اعترفت بتبعية طابا لمصر، سواء بالفرمان العثمانى الصادر عام 1841 لمحمد على باشا، ثم بفرمان عام 1892 بتعيين عباس حلمى الثانى حاكماً لمصر - بلقب خديو - ورغم ذلك حاولت فصل طابا عن مصر وادعاء تبعيتها لولاية الحجاز - التى كانت وقتها تابعة لتركيا.. ومحاولة ربطها - بطريقة أخرى - لمتصرفية القدس!! وتوترت العلاقات بين الآستانة عاصمة السلطة، والقاهرة.. إلى أن تم الاعتراف نهائياً بتبعية طابا للسيادة المصرية، وتم وضع علامات حدود - منها العلامة الشهيرة رقم 91 - للفصل بين أراضى السلطة العثمانية سواء فى الحجاز أو حتى فلسطين.. وبين أراضى مصر.. ومن أراد تفاصيل أكثر يمكنه اللجوء إلى الكتاب الوثائقى الكبير الذى وضعه نعوم بك شقير «اللبنانى الأصل» عن تاريخ سيناء عام 1907 ولكن تم طبعه فى مارس 1916 من 777 صفحة، واشتريته فى أول الثمانينيات من مكتبة دير سانت كاترين.
وعاد الحديث يحتل كل الاهتمام عام 1981، ومصر تبحث قواعد الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، على الطبيعة.. وكانت إسرائيل قد حاولت تغيير طبيعة المنطقة، بل نسفت العلامة الحدودية الأشهر وتحمل رقم 91 وألقت بقاياها الخرسانية فى واد بعيد، أسفل موقعها الأصلى.. ولجأت مصر إلى التحكيم الدولى ودامت الجلسات 7 سنوات طويلة.. جندت مصر لها كل ما تملك من عقول مصرية فى كل تخصص، وتجاوزت حتى الخلافات من معارضة وغيرها.. وانطلق رجال مصر المخلصون للبحث فى كل الاتجاهات فى استانبول ولندن وباريس وفى مكتباتها القومية بحثاً عن الوثائق والخرائط والمستندات، وتعاون الكل: جغرافيين، وتاريخيين، ودبلوماسيين، وخبراء فى القانون الدولى.. وحتى من رجال المساحة العسكريين والمدنيين.. إلى أن صدر قرار التحكيم الذى أثبت مصرية طابا.
ولكن: لماذا حاولت إسرائيل الاستيلاء على هذه الأرض رغم صغر مساحتها؟ الجواب: لأنها تتحكم فى موقع استراتيجى خطير.. يمكّنها من السيطرة على مساحة أخطر فى جنوب النقب.. فضلاً عن موقعها الذى يتحكم فى نقطة تتجاور فيها أراضى إسرائيل والأردن والسعودية.. من هذه البقعة المصرية عند رأس خليج العقبة.. أما مصر فكان همّها الأكبر هو تأكيد مصرية هذه الأرض، مهما صغرت مساحتها.. ونجحنا بفضل التماسك المصرى فى استعادة طابا.. وها نحن نحتفل بهذا اليوم منذ 27 عاماً.
ودرس طابا نربطه بما يجرى الآن فى سيناء.. وآخره - حتى الآن - ما جرى فى العريش واستشهاد 15 مصرياً هناك باستخدام قذائف الهاون وقذائف آر. بى. جى.. والهدف من العملية هو تحقيق انفصال مساحات معينة من سيناء، تكون امتداداً أرضياً لقطاع غزة.. تتمدد فيه قوات حماس المدعمة من إيران والممولة من قطر وأيضاً يقف وراءهم الشيطان الأمريكى.
** وإذا كنت - ومعى كل المصريين - يمكن أن أحمل السلاح من جديد لمنع تحقيق هذه المؤامرة الإقليمية - العالمية - على مصرية سيناء.. إلا أن صمود القوات المسلحة المصرية وتصديها لهذه المؤامرة كفيل بالتصدى لهذه المؤامرة.. ووراءها كل شعب مصر.
ومصر التى نجحت فى قطع يد إسرائيل الطويلة وإفشال حلمها بالسيطرة على طابا.. هى.. هى.. مصر التى ستنجح إن شاء الله فى إفشال مخطط فصل ولو كيلو متر واحد من أرض مصر.. فى سيناء.