دولة الأوبرا تزدرى الطبيعة!

فاطمة ناعوت الأحد 20-03-2016 21:27

بعد هوجة دعاوى التكفير وازدراء الأديان التى زجّتْ بمثقفين وأطفال وراء قضبان السجون، أصدرت دار الأوبرا المصرية بيانًا بالتضامن معنا- نحن المغضوب علينا، محابيس الرأى- رافضةً سلب أى مواطن حريته بسبب رأىٍ ما لم يُفْضِ إلى عنف أو عنصرية أو خوض فى الأعراض، وفقًا للدستور المصرى الجديد. لكن دار الأوبرا ذاتَها، أو كما أُسميها: دولة «الأوبرا»، هى ذاتها تزدرى قوانين الطبيعة! فكيف يناصرُ مزدرٍ مزدريًا؟! نعم، الأوبرا تزدرى الوظائف البيولوجية العادية لأعضاء الجسم البشرى.

اللسانُ والحنجرةُ بأحبالها الصوتية ولَهاةُ الحَلق والشفتانُ فى الجسم البشرى- جميعُها أعضاءُ لها وظيفة طبيعية واحدة، هى: إيصال المعلومة، من فمٍ إلى أُذن. رجلٌ فى فجر التاريخ يفتح فمه ويحرك لسانه وشفتيه ويُطلق بعض همهمات، فتفهم امرأتُه أنه خارجٌ من الكهف لقنص طريدة. ثم يعود بعد عدة ساعات يجرّ خلفه كنزه الثمين من قرنيه. تفتح المرأة فمها وتحرك لسانها وشفتيها وتطلق همهمات فيعرف الرجلُ بأُذنيه أنها فرحت بالصيد الثمين، وتطلب منه أن يساعدها فى إشعال النار على الأتون بصكّ حجرٍ بحجر، لكى يُنضجا الفريسة الشهية. ثم يأكلان مع أطفالهما، ويخلدون للنوم بعدما يفتح الجميعُ فيهم، ويحركون ألسنهم وشفاههم، ليفهم الجميعُ أن الجميعَ يتمنى للجميعِ نومًا هادئًا وأحلامًا سعيدة. الخلاصةُ أن وظيفة الحنجرة الطبيعية هى أن «توصل» معلومة من إنسان إلى إنسان. الكلمات هى «الجسر» الصوتى بين البشر. لكنّ للأوبرا رأيًا آخر!

الساقان والقدمان والجذع والذراعان والأصابع وغيرها من أطراف الجسم البشرى، أعضاءُ لها وظيفةٌ طبيعية واحدة هى نقل الأشياء أو التحرك للانتقال من مكان إلى مكان آخر من أجل غرض ما.

ظمئ رجلٌ، فى فجر التاريخ الأول، وودّ أن يرتوى. فنهض ثم حرّك قدمًا، وتلتها قدمٌ، حتى انتقل من جوار الشجرة التى كان يجلس تحت وارفِها، إلى مشارف النهر، ثم انحنى بجذعه، ومدّ كفيّه وملأهما من صفحة الماء العذب، ثم شرب. الخلاصةُ أن أطرافَ الجسم البشرى لها وظائفُ طبيعية هى نقل الجسم من مكان إلى مكان، أو نقل الأشياء من أماكنها ليستفيد منها الجسمُ البشرى. لكنّ للأوبرا رأيًا آخر!

الأوبرا تنسف كل ما سبق من وظائف الأعضاء البشرية. الأوبرا تزدرى قوانين الطبيعة وتختلق للجسم البشرى وظائفَ جديدة غير طبيعية. فاللسان والشفتان والحنجرة، تعمل مثل أوركسترا كامل لُتطلق أنغامًا صوتية ليس الهدف منها توصيل معلومة من فم إلى أُذن، بل نقل نغم وإبداع من حنجرة سوبرانية أو طربية إلى أرواح وقلوب وعقول عطشى للجمال، فتنتشى إن أنصتت، وتخرج بطاقة إيجابية تحثّ أصحابها على العمل والترقّى ومحبة العالم. والأوبرا تتمرد على الوظائف الطبيعية للأطراف البشرية من النقل والانتقال إلى أذرع وأصابع تعزف على الكمانات والنايات والماريمبات والأعواد والقوانين، وسيقان وأقدام تحلّق فى الهواء فى رقصات باليه ساحرة لا يحدّها، ولا يحكمها إلا قانون الجمال. الأوبرا تزدرى قوانين الطبيعة الوظيفية العادية انتصارًا لقانون الجمال والإبداع وخلق الطاقة الإيجابية للبشر ليتطور العالم. دولة الأوبرا تسحب من الإنسان الباسبور البشرى، وتمنحه باسبورات العصافير والبلابل والعنادل والفراشات والبجعات وملائكة الجمال.

أيها القائمون على دولة الأوبرا الساحرة، يا قادة الأوركسترا، أيها العازفون والعازفات، أيها الباليرينات، يا مصممى الديكور والإضاءة والملابس، أيها السوبرانوات والصوليستات، يا كتّاب الأوبرات وشعراء الأغانى، ومؤلفى الموسيقى، يا شعب الله المُختار لصناعة الجمال، استمروا فى ازدراء قوانين الطبيعة الاعتيادية والتمرد على وظائف الجسم البشرى المجبولة لكى تخلقوا لنا الجمال والسحر والترقّى.

Twitter: @FatimaNaoot