كنت أحد الذين حضروا خطاب الرئيس الأمريكى أوباما فى جامعة القاهرة فى 4 يونيو 2009. الخطاب الذى حمل عنوان «بداية جديدة» كان مفعما بالتفاؤل حول مستقبل الشرق الأوسط، وعن الشراكة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى فى المصالح والأهداف.
تذكرت هذا الخطاب وأنا أقرأ الحديث الذى أدلى به أوباما لمجلة «أتلانتيك» الأمريكية فى الأسبوع الماضى، وتضمن أفكارا تشاؤمية ومعاكسة تماما لنص وروح خطابه بجامعة القاهرة. حوار أوباما الأخير يعد من وجهة نظرى أهم حوار أدلى به حتى الآن بشأن سياسته الخارجية والشرق الأوسط، ويمثل مراجعة كبرى لمكانة هذه المنطقة فى السياسة الأمريكية، ويتطلب منا الكثير من التفكير والتدبر ونحن نخطط للمستقبل.
فماذا قال أوباما فى حواره؟
يشير أوباما إلى أن علاقته بالشرق الأوسط تمثل منحنى من خيبة الأمل، وأنه وصل لعدة استنتاجات أهمها أن الشرق الأوسط لم يعد مهما بالنسبة للمصالح الأمريكية بعد اقتراب الولايات المتحدة من تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الطاقة، وأنه حتى لو كان الشرق الأوسط مهما بشكل افتراضى، فلا يوجد سوى القليل الذى يمكن للرئيس الأمريكى فعله من أجل أن يحوله إلى مكان أفضل. وأن الشرق الأوسط الآن فى الجانب الخطأ من التاريخ، وفى المكان الذى مازالت تزدهر فيه القبلية والأصولية والطائفية والعسكرة. ويرى أوباما أن صعود تنظيم داعش رسخ لديه القناعة بأن الشرق الأوسط عصى على الإصلاح، وأنه عندما يرمق ببصره فى المنطقة فإنه يرى مقولة هوبز الشهيرة «حرب الجميع ضد الجميع». ويرى أوباما أنه لن يتسنى إيجاد حل شامل لمشكلة الإرهاب ما لم يقم الإسلام بإنجاز مصالحة مع الحداثة.
ويتحدث أوباما عن شعوره بإحباط تجاه العديد من زعماء منطقة الشرق الأوسط، ومنهم الرئيس التركى أردوغان، الذى توسم فيه أوباما أن يكون زعيما مسلما معتدلا قادرا على تجسير الفجوة ما بين الشرق والغرب، إلا أن أوباما يعدّه الآن فاشلا وسلطويا. ويشير أوباما إلى عدم رضاه من أن تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية تفرض عليه التعامل مع المملكة العربية السعودية كحليف، ويتحدث عن أن السعوديين بحاجة لأن «يقتسموا» الشرق الأوسط مع خصومهم الإيرانيين، وإقامة نوع من السلام البارد بينهما.
ويشير أوباما إلى أن الشرق الأوسط هو أيضا فى الجانب الخطأ من الجغرافيا بالنسبة للولايات المتحدة. وأن القارة الآسيوية تمثل المستقبل، وأن السياسة الأمريكية تقوم بنقل اهتمامها إلى هذه القارة. ويقارن أوباما بين الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، ويرى أنه بالرغم من أن الأخيرة تعانى من مشاكل ضخمة مثل الفقر والفساد، إلا أنها تعج أيضا بأناس طامحين ومفعمين بالطاقة، ويقبلون على الحداثة وعلى التعليم وعلى بناء التقدم، وينصب تفكيرهم على سؤال: «كيف لى أن أحصل على تعليم أفضل؟ كيف يمكننى أن أبدع شيئا ذا قيمة؟».
حوار أوباما احتوى على العديد من القضايا الأخرى التى أثارت نقاشا كبيرا بين المحللين والخبراء فى العالم، ولكن اقتصرت ردود الفعل لدينا على مجرد انتقاد ما فيه والدفاع عن الحكومات العربية. حوار أوباما بالتأكيد مثير للجدل، وينقصه الاعتراف بالدور الذى لعبته الولايات المتحدة فى وصول الشرق الأوسط والعالم العربى إلى هذه الحالة المزرية. ولكنه يستحق منا الاهتمام والتدبر لأكثر من سبب أوله أنه يؤكد التوجه الأمريكى بتقليل الارتباط بالشرق الأوسط والتخلى عن الأصدقاء والحلفاء، وعلينا أن ندرك أن مستقبل المنطقة هو بالتأكيد فى يد دولها وليس القوى الكبرى. والثانى علينا أيضا إدراك أن موقعنا فى التاريخ والجغرافيا يرتبط بإرادتنا، وبما نحققه بأيدينا من إصلاح داخلى فى الفكر والاقتصاد والسياسة.