يعقوب والشلقانى

نيوتن السبت 19-03-2016 21:47

فى عام 1809 أرسل محمد على باشا أول بعثة علمية لأوروبا. كانت تحديداً لإيطاليا. هذه البعثة لم تنجح. بعدها بأربعة أعوام أرسل البعثة الثانية. ثم تحولت البعثات إلى فرنسا عام 1926. كان من ضمن طلابها رفاعة رافع الطهطاوى. من يومها صار فى مصر نخبة رفيعة فى كل المجالات. عقب 1952 تراجعت البعثات. انكسرت التجربة. كانت البعثات الوسيلة الوحيدة آنذاك، مع تطورات العصر لم تعد الدولة اللاعب الوحيد. أو الرقم المنفرد فى المعادلة. لإعداد أجيال جديدة فى مصر. أصبح للقطاع الخاص دوره أيضاً، فى إرسال بعض أبناء الوطن للتعليم فى الخارج.

لكن هذه الحالة كانت ومازالت فردية مثلما كان يفعل على الشلقانى، رحمه الله، الذى أسس أكبر شركة قانونية فى مصر. فتح قلبه وعقله للنابهين من أبناء الجيل الجديد. منحهم كل خبراته. منحهم تعليما وتدريبا رفيعا. أمثال د. هانى سرى الدين، د. زياد بهاء الدين، بهاء على الدين، وغيرهم. هذا الرجل كان صاحب فكرة إنشاء أول جامعة أهلية فى مصر. هى جامعة النيل. لتحقق المعادلة الصعبة. فهى غير هادفة للربح. تقدم تعليماً رفيع المستوى، ولها مصدر ذاتى للتمويل المستدام.

من ثم كان هذا المخرج الوحيد للدولة. لتطوير الخدمة التعليمية. احتضن الشلقانى أيامها أحمد زويل، كان قد حصل للتو على جائزة علمية رفيعة من إسرائيل. جائزة وولش. بنى الشلقانى حلمه حول أحمد زويل. بعدها فاز بجائزة نوبل. تحقق حلم على الشلقانى. بينما لم يكن زويل عند حسن ظن الشلقانى به. احتل زويل جامعة النيل، عقب ثورة يناير. ربما كان ذلك بإيعاز من الدولة. لكن حقيقة الأمر. زويل لم يكذب خبرا، فتعامل مع جامعة النيل بأسوأ طريقة. فدفعت جامعة النيل ثمن ذلك.

كثيراً ما أتساءل إذا كان الشجر المثمر ينتج خلفا من حوله. فلماذا لا يفعل الناجحون المتميزون؟ لماذا لا يصنع كل واحد منهم. كل فى مجاله. أجيالا جديدة. مدرسة فى تخصصه. كالصدقة الجارية. من خلال استنساخ عقول مميزة. وكوادر إدارية وعلمية وثقافية.

هناك نموذج ملهم فى هذا. هو الدكتور مجدى يعقوب. الطبيب والجراح البارز. فهو قدوة تُحتذى للشباب والكبار. فهو للشباب أستاذ وملهم. وهو للكبار تجربة نجاح يجب تكرارها. حيث نجح فى تحقيق المعادلة الصعبة. وصل لأعلى المراتب العلمية فى أوروبا. يعد من كبار الأطباء فى بريطانيا. عاد لوطنه وأقام صرحاً طبياً فى أقصى الجنوب. لم يفضل العاصمة التى نفضلها جميعا. لما فيها من رفاهية وأضواء وعلاقات بالسلطة. فهو لا يريد أى شىء من ذلك. أهم شىء فى مؤسسة يعقوب أنها تنقل الخبرة للأجيال الجديدة. يمنحهم الرجل كل ما تعلم وأفضل ما تعلم. لا يبخل على أحد منهم. لذلك سوف تستمر مؤسسة مجدى يعقوب فى النجاح.

وهذا أكبر درس علينا أن نتعلمه من الدكتور يعقوب. فنحن نحتاج لهذا النموذج فى جميع مجالات الحياة. فلماذا لا ينقل كبار رجال القانون خبراتهم لجيل أحدث؟ كبار العلماء. الكتاب والإعلاميين. الفنانين فى كل مجالات الفن. لماذا لا يفعل ذلك كبار رجال الأعمال؟ يعلمونهم كيف نجحوا؟ كيف تخطوا الصعاب؟ كيف أسسوا مشروعاتهم فى البدايات؟ متى شعروا بالهزيمة؟ كيف تجاوزوها؟

فهذه رسالة الحياة التى تقوم على التواصل. ونقل الخبرات ليستمر النجاح. ولا ينقطع من جيل إلى جيل.