ليس من السهل أن تسترد علاقة حماس الطبيعية مع القاهرة عافيتها، وهى العلاقة التي تميزت منذ سقوط حكم الإخوان بالتوتر الشديد الذي عصف بمستقبلها وهدد استقرار حكمها لما اتسمت به من تجاوزات في حق الأمن الوطنى المصرى، وبعد الاتهامات المباشرة الأخيرة التي وجهتها وزارة الداخلية لحماس بتورطها في اغتيال النائب العام هشام بركات بالأدلة، أصبح السؤال الأكثر إلحاحا كيف يمكن لحماس أن تذيب الجليد الذي تمكن من جسد العلاقة وبات أمر إذابته يحتاج إلى دفع أثمان باهظة ربما لا تستطيع دفعها نظرا لتركيبتها العقائدية والأيديولوجية وتحالفاتها الخارجية؟ لكن يبدو أن الثمن بات البحث في كيفية دفعه أكثر إلحاحا من ذى قبل، نظرا للتطورات الإقليمية المتسارعة التي وضعت الحركة في مآزق عديدة لا تستطيع معها الفكاك.
لعل الاتهام المباشر من وزارة الداخلية لحماس جاء للمرة الأولى بهذا الثبات والوضوح مشمولا بالأدلة التي نفتها حاس نفيا قاطعا، وكان عليها أن تثبت نفيها عمليا فسارعت بدفع وفودها إلى القاهرة طلبا في لقاء الجهات الأمنية المعنية في مصر للتباحث فيما نسب إليها، وكيفية معالجته، لذا تأتى زيارة وفد حماس إلى القاهرة سياسية بامتياز تبحث في ملفات أصبحت ملحة ولها أولوية مطلقة يأتى على رأسها علاقتها بما يدور في منطقة شمال سيناء، وضروة أن تعمل حماس ضد تنظيم داعش، وأن تلعب دورا في ضبط الأوضاع الأمنية المخترقة من التنظيمات التكفيرية والإرهابية، والتى باتت تشكل نقطة ضعف لقوات الأمن المصرية مع استمرار العمليات الإرهابية.
ورغم صعوبة الطلب كون أن استراتيجية حماس كما تعلن عنها دوما بعدم التدخل في أي شأن داخلى، لكنها أبدت استعدادها لحماية الحدود مع مصر، وقد تعطى حماس تعهدات غير موثقة بشأن التعاون الأمنى وتشديدها على حرصها على أمن مصر القومى، لكن أن تقوم بدور الوكيل عن مصر في سيناء ومكافحة الجماعات الإرهابية وتقديم ما تملك من معلومات عنهم ربما يكون أمرا مستبعدا، رغم أن الحركة أصدرت بيانا أكدت فيه أنها لن تسمح بأن ينطلق أي عمل من غزة يضر بأمن مصر وشعبها، ورغم أن مصادر مقربة من حماس في غزة كشفت منذ أيام أن قادة حماس اتخذوا قرارا بشأن ضرورة الانفصال عن تنظيم الإخوان في مصر الذي يعانى من أوضاع مزرية وانقسام حاد بين قياداته وصراع سيعصف بالتنظيم الدولى ككل، فإن صورة حماس مما يجرى في مصر أضرت كثيرا بها، وأصبحت شبه معزولة عربيا وإقليميا، خاصة أن حديثا يتداول بأن تركيا تخلت عنها مؤخرا في سبيل تقوية علاقتها بإسرائيل.
لقد بات من الضرورى إعادة النظر في طبيعة العلاقة بينها وبين القاهرة، فربما أصبحت حماس تشكل ورقة من شأنها تحقيق مصالح مصر الأمنية في ظل الاستقطاب الحاد غير المسبوق والتحالفات التي تشهدها المنطقة.
فهل تستطيع حماس قطع علاقتها بإيران وحزب الله اللبنانى؟ ربما يكون هذا أحد شروط القاهرة أيضا مقابل تطبيع العلاقات، فقطع العلاقات معهما أصبح مهما بالنسبة لمصر، خاصة بعد تصنيف حزب الله من الجامعة العربية على أنه منظمة إرهابية، ذلك القرار الذي ينطوى على أبعاد سياسية خطيرة تتجاوز ما تم الإعلان عنه، وفى ضوء التقارب المصرى السعودى هناك رسالة موجهة إلى حماس أن تبقى في إطار المحور الجديد بعيدا عن إيران وحزب الله، التي ارتبطت معهما على مدار سنوات بعلاقات ممتدة ومتينة إلى أن توترت برفض حماس تأييد نظام بشار الأسد إبان اندلاع الثورة السورية.
المباحثات الجارية بين حماس ومصر ليست سهلة والحصول على علاقة طبيعية مع القاهرة لابد أن يكون لها أثمان سياسية، فالمفاوضات الدائرة بين الطرفين تتجاوز الحديث عن معبر رفح والمصالحة، هناك مطالب محددة تحتاج إلى إجابات ربما لا تستطيع الحركة حسمها حاليا، فمصر لا تريد من حماس نفى الاتهامات الأخيرة، بل تريد منها أكثر من شرط ثمنا للوصول إلى علاقة طبيعية وإيجابية، مصر تريد من حماس فك ارتباطها التنظيمى بالإخوان المسلمين على غرار الإخوان في الأردن، كما أنها لا تريد الاكتفاء بالتأكيد على أنها لا ترتبط إداريا وتنظيميا بجماعة الإخوان في مصر، وإنما الانسلاخ التام وهو ما قد لا تقبله حماس في هذا التوقيت، إضافة إلى قطع الطريق أمام أي نفوذ تركى قطرى في غزة، لأن مصر كانت الراعى الوحيد لهذا الملف ودخول أطراف أخرى فيه أثر على أهدافه الرئيسية في لم الشمل الفلسطينى بالمصالحة، وإنهاء الانقسام الذي حول قطاع غزة إلى منطقة محاصرة معزولة مع استمرار إغلاق معبر رفح المنفذ الحدودى الوحيد له مع العالم الخارجى، ما أثر سلبا على حياة سكان قطاع غزة وأنهكهم اقتصاديا واجتماعيا، كما أن التطورات الإقليمية والدولية والأخطار المحدقة تحتم التحرك المصرى الريادى لوضع حد للانقسام الفلسطينى.
لم يعد أمام حركة حماس من مفر سوى إعادة النظر في سياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية التي بدأت تأخذ منعطف مغاير لما رسمته لاستراتيجيتها السياسية داخليا وخارجيا، فإذا كانت قادرة على التضحية ببعض التحالفات والتوازنات، حينها ربما تكون قادرة على استعادة ثقة القيادة السياسية في مصر وفق ترتيبات جديدة، أهمها عودة التنسيق الحقيقى بينها وبين السلطة الفلسطينية الممثل الشرعى المعتمد في الاتفاقات الدولية وبالذات اتفاقات المعابر، وإذا ما تم الاتفاق على فتح معبر رفح سيكون ذلك إنجاز لحماس في ظل أزمة القطاع المتفاقمة.