افعلها أيها المحافظ

عبد الناصر سلامة الجمعة 18-03-2016 21:19

كنت أُعوِّل منذ بداية الأمر على المهندس محمد عبدالظاهر، محافظ الإسكندرية، على اعتبار أنه بدأ حياته ضابطاً، اعتقدت أنه سوف يجيد التعامل مع أقرانه من رؤساء الأحياء، تعاطفت معه كثيراً حينما أراد لنفسه مكتباً على البحر، أو حتى نقل مقر المحافظة كاملاً على البحر، فهى أَوْلى من أى قطاع آخر، باعتبار مقر المحافظة عنوانا للإقليم ككل، الأهم من ذلك أنه لا يجوز بأى حال أن أكون محافظاً، ولا أستطيع إصدار قرار، أو لا أتمكن من تنفيذه لأسباب خاصة بالتجمهر، أو الإعلام، أو ما شابه ذلك.

ما لا أستطيع هضمه، ولا استيعابه، تلك القمامة المنتشرة فى أنحاء المدينة الجميلة، أو التى كانت جميلة، وهو ما يضعنا أمام مجموعة من الاحتمالات، الأول منها أن المحافظة بلا إمكانيات مادية وعينية، وهو ما يجب أن يعلنه المحافظ على الفور، حتى يضع الحكومة أمام مسؤولياتها مع الشارع بتوفير كل الإمكانيات، الاحتمال الثانى هو أن المحافظ لا يعلم بأمر تلك القمامة، وهذه فى حد ذاتها كارثة تستوجب عزله فوراً مع رؤساء الأحياء فى آن واحد، الاحتمال الثالث هو أنه يعلم ولا يستطيع إدارة الموقف لأى سبب، حتى وإن كان هذا السبب هو عدم قدرته على تشغيل رؤساء الأحياء من المتقاعدين إياهم، وفى هذه الحالة يصبح مطالباً بالتنحى من تلقاء نفسه.

بالفعل، الإسكندرية لم تعد تحتمل أى محافظ، أو رئيس حى بهذه المواصفات، يعلم أو لا يعلم، يستطيع أو لا يستطيع، النتيجة واحدة، وهى أن القمامة منتشرة فى كل مكان، فى وجود محافظ ورؤساء أحياء يحصلون على رواتبهم وحوافزهم بصفة شهرية، أياً كان مقدارها، أعنى بذلك أن هناك الآن بين المسؤولين من يتحدث طوال الوقت عن تدنى رواتبهم وحوافزهم، مقارنة بأقرانهم فى مواقع أخرى من القطاع الخاص، وهو ما يجعلنا أيضاً نطالبهم طوال الوقت بالتنحى لاستبدالهم بمن هم أكثر قناعة بالوظيفة ومقابلها المادى.

الإسكندرية أيها السادة تستحق زيارة أسبوعية من رئيس الوزراء، للوقوف على حجم المشاكل المزمنة بها، تستحق زيارة أسبوعية من المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية، تستحق سؤال رئيس الدولة عنها كل صباح، تستحق اهتماماً خاصاً من كل المسؤولين، كلٌ فى تخصصه، الإسكندرية تستحق أن تعود عروساً للبحر الأبيض المتوسط، تستحق أن تكون واحة جمال أمام المواطن المصرى، تستقبل ضيوفها من الشمال والجنوب، والشرق والغرب.

لا يجب أبدا إيلاء أمر الإسكندرية لمجموعة من المتقاعدين فى نهاية حياتهم الوظيفية والدنيوية، لا يجب أبداً الاعتماد هناك على شخص واحد، حتى لو كان المحافظ يقضى مدته ثم يرحل، سواء بالنجاح أو الفشل، لن يحاسبه أحد، مواطن الإسكندرية ليس وحده الذى يدفع الثمن، بل المواطن المصرى عموماً، للمدينة مالها من تقدير فى قلوب المصريين جميعاً، من العار أن تظل أزماتها كما هى، على امتداد الشهور والسنوات دون حلول جذرية، فى إشارة واضحة للفشل فى اختيار المسؤولين، والفشل فى اتخاذ القرار، والفشل فى المتابعة، والفشل فى كل شىء تقريباً، الدليل على ذلك هو الاجتماع بأعضاء البرلمان لبحث الأزمة، ما هى علاقتهم بالموضوع، هم ليسوا أصحاب قرار، كما لن يتحملوا المسؤولية يوماً ما، إنها الرتاعة واستهلاك الوقت.

من الآخر، ودون لف أو دوران، آمل وأطمع وأتعشم أن يخرج علينا الباشمهندس محمد عبدالظاهر ليعلن على الملأ أزمات المحافظة الحقيقية، هل هى مع أشخاص، أم مع إمكانيات؟ ليعلن على الملأ إما جدولاً زمنياً لحلها، أو استقالة لحظية مسببة، سوف نحترم الرجل فى كل الأحوال، أما فى حالة استمرار هذا الوضع فلن يجد الرجل من يحترمه، لا بين الأهالى المتذمرين هناك، ولا بين المسؤولين الذين سوف يتنكرون له سريعاً، ولا فى الأوساط الإعلامية، التى سوف تزيد الموقف اشتعالاً، ومعها كل الحق بالتأكيد.

نحن هنا لم نتناول المزيد من مشاكل وأزمات الإسكندرية، وما أكثرها، التى لم يكن للمحافظ الحالى دخل بالكثير منها، لم نتناول المناطق العشوائية، لم نتناول مخالفات ارتفاعات المبانى فى كل الأنحاء، لم نتناول سوء الخدمات والمرافق، لم نتناول الكثير من شبهات الفساد، لم نتناول موسماً صيفياً على الأبواب، دون استعدادات واضحة، العملية بالتأكيد متكاملة، إما أن المحافظ سوف ينتفض فى مواجهة مراكز القوى هناك، ويحقق إنجازات حقيقية على أرض الواقع، وإما أنه سوف ينتفض لنفسه وتاريخه، ويعود إلى بيته معززاً مكرماً.. لننتظر، ليت الانتظار لا يطول.