استمعت إلى كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب»، أمام البرلمان الألمانى، بكل تقدير واهتمام.. وصدمة واندهاش!.
وكأن أحكام الفقهاء التى تحكمنا لا علاقة لها بالإسلام الذى تحدث عنه الإمام الأكبر، لينقى وجه الإسلام من الإرهاب، ويشيد بموقف المستشارة «ميركل» لأنها شاركت فى مظاهرات برلين المندِّدة بظاهرة الإسلاموفوبيا!.
معظم ما جاء فى خطاب فضيلته هو صلب العقيدة الإسلامية، النقية من الأحاديث الضعيفة وآراء الفقهاء المسمومة والمدسوسة علينا، ولعل فضيلته تعمد ألا يثير نقاط خلاف فقهية تفرغ خطابه من مضمونه إذا ناقشها الرأى العام الأوروبى الذى يدرس ديننا ويفهمه جيدا!.
تحدث شيخ الأزهر عن أن (حريَّةُ العقيدة مكفولة فى القرآن بنص صريح، وذلك فى قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾ الكهف: 29.. لكنه لم يبرر لأعضاء البرلمان ما معنى كلمة «ازدراء الأديان» فى القانون الوضعى «المستمد من الشريعة الإسلامية»؟!.
لم يصارح الغرب بأن لدينا «كتائب حسبة» تطارد المفكرين والمبدعين، وأن الأزهر الشريف ومختلف مؤسساته، (على رأسها مجمع البحوث الإسلامية)، يتولى رفع الدعاوى القضائية ضد شعراء ومثقفين.. وتكفيرهم تمهيدا لاغتيالهم أو سجنهم.. وكأن على رأسنا «بطحة»، بدلا من أن نعالجها نداريها!.
وبعد حديث طويل عن قبول الإسلام لكل الأديان وانفتاحه على الآخر، وقيم ومبادئ العدل والمساواة والحرية وحفظ كرامة الإنسان، التى يكفلها الإسلام للإنسان، يتساءل فضيلته: إذن كيف خرجت الحركات الدِّينيَّة المُسَلَّحَة من عباءَة الإسلام والمسلمين، مثل «داعِش» وأَخواتها؟.
ثم يجيب الدكتور «الطيب» مبررا ذلك: (الإرهابيون الَّذين يُمارسون جرائمهم باسم الأديان لا يمثلون هذه الأديان، بل هم – فى حقيقة الأمر - خائنون لأمانات الأديان التى يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها).. فلا يزال شيخ الأزهر يرفض تكفير «داعش» وأخواتها، أو حتى الإشارة إلى أن وحشيتهم تخرجهم من الملة!.
ففضيلة الإمام الأكبر صرح من قبل قائل: (لا أستطيع أن أكفرها، داعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن)!.
فلماذا تكفرون من يطالب بتنقية التراث، ومراجعة «البخارى ومسلم» وكأنما هدم الكعبة أو مزق القرآن الكريم؟!.
لو ظل الإسلام كما جاء فى القرآن الكريم والسنة النبوية، دون أن تخترعوا لنا شخصيات مقدسة، وتضعوا كتبها فى مرتبة القرآن نفسه، بل تغلبون أحاديثهم وأخطاءهم على القرآن والسنة.. لما وصلت أمة الإسلام إلى هذه الدرجة من التغييب والجهل.
يا فضيلة الإمام: تقول للبرلمان الألمانى إن (الإسلام لا يأمر المسلمين بالجهاد المسلح ولا يحضهم عليه إلا فى حالة رد العدوان، والتصدِّى للحروب التى يشنها عليهم أعداؤهم، فهنا يجب القتال للدفاع).. فكيف تبرر ما يحدث فى «اليمن» بين السنة والشيعة.. ومن الذى اعتدى على من؟. أليست هذه حربا طائفية ضد «الشيعة» ولا أحسبك تصنفهم «كفرة» أو تعتبر حتى أن نشرهم التشيع «إن صح» يستوجب قتالهم وتشريدهم من وطنهم!.
هل هذا هو السلام الذى يواجه الإرهاب، أو كما استشهدت بقول اللاهوتى المعاصر هانس كونج Hans Kung: «لا يمكن أن يكون ثمّ سـلام بين الشــعوب ما دام لا يكون ثَمَّ ســلام بين الأديــان».. كيف ـ يا مولانا- ونحن لا نقيم العدل والسلام بين المذاهب داخل الدين الواحد بسبب انحيازات أيديولوجية وسياسية ومصالح غير خفية على أحد؟.
تحدثت فضيلتك عن مكانة المرأة فى الإسلام، وذكرت حديث الرسول عليه الصلاة والسلاة «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ»، لكن الغرب يعرف جيدا أن مجتمعنا محكوم بفتاوى شاذة، لم يفلح الأزهر فى محاربتها، مثل «إرضاع الكبير»، تحريم نوم المرأة بالقرب من الحائط لأن الحائط مذكر فى اللغة، وتحريم جلوس المرأة على كرسى، لأن الجلوس على الأرض يذكرها بالله جل جلاله، كما أن الكرسى حسب الفتوى الشاذة يدفع المرأة إلى الهياج والشبق الجنسى المُحرَّم!!.
صحيح أن هذه الفتاوى ليست من الإسلام، لكن لماذا التزم الأزهر الشريف ودار الإفتاء بالصمت تجاه «معركة النقاب» رغم أنه ـ أيضا- ليس من الإسلام؟.
لماذا يُعاقب رجل دين «أزهرى» بتهمة الذهاب إلى إيران؟.
تحدثت بكثير من الإعجاب عن المجتمعات الغربية، وبسياستهم التى تقوم على المُسَاواة والدِّيمُقراطيَّة ورعاية حُقُوق الإنسان.. فهل من الديمقراطية حرمان المرأة من العمل كقاضية باعتبار القضاء «ولاية».. حتى فهم «قوامة الرجل على المرأة» خاطئ فى مجتمعنا.
فضيلة الإمام الأكبر: لو جعل الأزهر الشريف على رأس مهامه العاجلة تطهير المؤسسة الدينية من الاختراق الإخوانى والوهابى.. وتنبه لخطورة الخطاب السلفى الذى يحكمنا.. وعمل على تجديد الخطاب الدينى بوعى.. لأصبح فى مصر إسلام كالذى تحدثت عنه.
ملحوظة: أنتظر عريضة الدعوى من كتائب الحسبة التابعة للمؤسسة الدينية.