كيف أصبحت إسطنبول عاصمة للمنفيين العرب؟

سعد الدين ابراهيم الجمعة 18-03-2016 21:23

الناشط المصرى الدكتور أيمن نور ترك مصر بملء إرادته بعد قيام ثورة 25 يناير، التى كان شريكاً فيها خلال سنتها الأولى، ولكنه رآها تُختطف مرتين ممن قاموا بها. المرة الأولى كان الاختطاف بواسطة جماعة الإخوان المسلمين، والذين حكموا مصر، تحت رئاسة الدكتور محمد مرسى ومكتب الإرشاد لمدة سنة واحدة، قبل أن تنشأ حركة مُضادة للحكم الإخوانى، تحت اسم تمرد، والتى نجحت فى تجميع ثلاثين مليون توقيع تطالب رئيس الجمهورية بانتخابات رئاسية ونيابية مُبكرة.

وأدرك أيمن نور مُبكراً أن تلكؤ د. محمد مرسى فى الاستجابة لمطلب حركة تمرد، سيُعطى الجيش مُبرراً للعودة إلى الساحة السياسية، واختطاف الثورة، والسُلطة، والدولة كلها. ومع كل أساه وحُزنه وعجزه أن يمنع ذلك الاختطاف، اختار الرجل أن يرحل من مصر، حيث عاش فى العاصمة اللبنانية بيروت لمدة عامين، إلى أن أخبرته السُلطات اللبنانية بشكل مُهذب أن يترك ديارها، حفاظاً على حياته، فغادرها بالفعل.

وحط أيمن نور الرحال فى إسطنبول، حيث وجد هو وغيره من قيادات المُعارضة المصرية والعربية حماية وترحيباً من الشعب التركى ومن السُلطات التركية على السواء.

ورغم أننى كنت مدعواً لإلقاء مُحاضرة فى جامعة إسطنبول الثقافية التركية، إلا أننى انتهزت الفرصة لزيارة الدكتور أيمن نور، والحديث معه باستفاضة عن الشأن العام المصرى، خاصة أنه تجمعنى بالرجل علاقات مُتشعبة. فنحن من نفس المُحافظة (المنصورة - دقهلية)، وكنت قد تصديت للدفاع عنه حينما طاردته السُلطة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مُبارك. وطالما زرته وتحدثت فى دائرته الانتخابية عدة مرات فى حى باب الشعرية العريق، فضلاً عن أنه انضم إلى عضوية مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الديمقراطية.

ومن مُفارقات القدر المُشترك أنه حينما تعرض بعدى للاضطهاد وقضاء عدة سنوات فى سجن مزرعة طُرة، كان نصيبه أن يوضع فى نفس الزنزانة التى شغلتها فى سنوات محنتى الأربع، مع نفس نظام حسنى مبارك.

ولذلك كان جزءاً من أيامى فى اسطنبول هو إحياء لصداقة قديمة، وتذكيراً بتجربة نفس السجن، وتبادل الشجون والآلام لما حل بمصرنا الحبيبة.

وللأمانة، وجدت أن أيمن نور لم يستكن أو يستسلم أو يطوى صفحة العمل العام، وهو فى منفاه الاختيارى، بل العكس تماماً. فقد جمع حوله العديد من المصريين والعرب، سواء من يُقيمون فى تركيا، أو من يمرّون بها من شتى الأصقاع العربية. فقد قابلت عنده أصدقاء وزُملاء كفاح قدامى، مثل الرئيس التونسى السابق الدكتور/ المُنصف المرزوقى، ورفاق السجن أو المنفى السابقين من أمثال الدكتور عمرو دراج وأسامة رشدى وغيرهم.

التقيت أيضاً بمُناضلة سورية على العشاء فى أحد مطاعم إسطنبول، وهى طبيبة الأسنان د. رانيا قيصر، والتى أتت فى اليوم التالى إلى الفندق الذى كنت أقيم فيه، حيث تناولنا معاً الإفطار، ثم تحدثنا طويلاً إلى أن وجدت أن باب الطائرة قد أقفل قبل خمس دقائق. ولكن لحُسن الحظ كانت هناك رحلة أخرى إلى القاهرة فى الخامسة مساء نفس اليوم، فحجزت عليها، ومكثت فى المطار. واتصلت بى د. رانيا قيصر لتعرض عليّ استضافتها فى منزلها، وهو ما شكرتها عليه. ثم اتصلت بعد ساعة ثانية لتشكو الناشطة دُعاء، إحدى مُساعدات د. أيمن نور، التى اتهمتها بأنها السبب فى أننى تأخرت فى الوصول إلى مطار إسطنبول!

وأثناء انتظار الساعات الخمس، صادفت مصريين وعرباً عديدين، وطلبوا التقاط صور معى، وطلب أحدهم ويُدعى مُنجب المُعطى، الحقوقى ومؤسس حركة الحُرية الآن، وهو من المغرب بأن أنوّه فى أحد مقالاتى أو أنشطتى بمأساة الناشط المغربى على صبرى عاشور! حيث تم اعتقاله بواسطة السُلطات المغربية، دون إحالة أو مُحاكمة. وهو نفس الإجراء الذى كان قد حدث خلال السنة الأولى من مواجهتى مع نظام الرئيس مُبارك (يونيو 2000). وقد وعدت المُسافر المغربى أن أفعل ذلك أيضاً فى المُلتقى السنوى لحقوق الإنسان فى مدينة جنيف السويسرية فى منتصف مارس 2016.

من الأقوال المأثورة أنه فى الأسفار سبع فوائد، وأشهد أنه فى سفرى إلى إسطنبول، خبّرت فوائد جمة تتجاوز السبع. فإلى حديث قادم حول بعض هذه الفوائد..

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com