للتاريخ: حتى «مبارك» رفض إرسال قوات مصرية إلى أفغانستان؟

جمال الجمل الأربعاء 16-03-2016 23:26

(1)

مبارك حريص، يمشى جنب الحيطة، ويتجنب الجديد، والأحلام، والمغامرات التي لا يضمن نتيجتها في المستقبل..

(2)

هذه بعض من صفات الرئيس مبارك، كما رسمها بطرس غالى في مذكراته، فقد كشف غالي أنه طلب من مبارك إرسال قوات عسكرية إلى أفغانستان!، لكن مبارك رفض، أما لماذا رفض؟، وما هي أوجه الخلاف والاختلاف بين شخصيتي غالي ومبارك، فهذا ما نقرأه على لسان غالي نفسه ونبدأ بالملاحظات التي دونها في مذكراته صبيحة عيد الميلاد المجيد في عام 2002، حيث التقى مبارك قبل سفره إلى باريس بساعات.

(3)

يقول غالي: كعادته يستقبلنى الرئيس حسنى مبارك في الصباح الباكر، إنه مبتسم ويتمتع بمزاج جيد، وصحة جيدة. أطلعته على خطة شاملة، لمحاولة تصحيح صورة العالم العربى، وتلخصت الخطة في الإدلاء بتصاريح موجهة للرأى العام الأوروبى والأمريكى، وإطلاق حوار مع الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، لكن الرئيس لم يكترث وردوده لم تفاجئنى، فهو يرى أن أكثر الاتصالات ملاءمة وفاعلية هي تلك التي تجرى مع الحكومات.

(4)

حرصت على تذكير الرئيس بأن المغرب وتونس قد أنشأتا وزارة لحقوق الإنسان وأنهما تأخذان هذه القضية بالاعتبار، أكثر فأكثر، وتهتمان بجهود العاملين الجدد غير الحكوميين، لكن مبارك لا يتخلى عن تحفظه تجاه كل ما هو غير حكومى، حريصا في ذلك على تقليد مصرى يمكن تلخيصه في هذه العبارة: «لا خلاص خارج الإدارة». على كل حال تشترك كل الحكومات في دول العالم الثالث في هذا الموقف الحذر، إذ إن المنظمات غير الحكومية هي في نظرها بوابة للتدخل وللوصاية، وهي واجهة هذا التدخل، فهذه الحكومات لم تفهم بعد أن مصلحتها هي أن تشارك في اجتماعات ومؤتمرات المنظمات غير الحكومية وأنه عليها أن تنشئ منظماتها غير الحكومية الخاصة، من أجل أن تدافع عن صورتها وعن قضيتها، إنها لم تفهم بعد أن المنظمات غير الحكومية هي القوى الفاعلة الجديدة في العلاقات الدولية.

(5)

كان غالي قد طلب من رئيس الوزراء حينذاك عاطف عبيد أن يقترح على الرئيس فكرة وزارة حقوق الإنسان، لكن عبيد لم يفعل، ولما فعل غالي وتلقى ردا حاسما من الرئيس بالرفض، قال: كان لابد أن أغير الموضوع فقلت: «حضرة الرئيس، لقد أقنعتك في أوقات أخرى، بإرسال قوات عسكرية مصرية إلى الصومال وإلى ساراييفو، واليوم يبدو لى أنه من المناسب أن يكون لنا وجود عسكرى رمزى في أفغانستان، لكن مبارك أجابني سريعاً: أنا أرفض تماما أن تشارك مصر في عملية عسكرية كهذه حتى ولو رمزياً، لأن جنودنا سيصبحون الهدف الأول لطالبان الجدد وللأفغانيين». ثم أضاف بمكر: «لأننى أعرفك جيدا وأعلم قدرتك على المجادلة لساعات طويلة، فقد تعمدت أن أستقبلك قبل موعد طائرتك بوقت قليل، وبالمناسبة، قد تفوتك الطائرة إن استمريت في المماحكة».

(6)

يعلق غالى على أسلوب الرئيس قائلا: لطالما كنت أحترم الموقف البراجماتى الذي يتخذه الرئيس حسنى مبارك في مواجهة المشاكل التي تتعرض لها بلادنا، يمكن القبول بأى شىء إلا أن يتحكم الخيال بممارسة السلطة: عدم المجازفة أبدا بتجاوز حدود قدراتنا، تجنب الأحلام الجذابة والمغامرات، التي لا مستقبل لها، عدم أخذ القرارات، إلا بعد التفكير بها مليا وبعد العديد من الاستشارات، حسن الانتظار، معرفة «السير بمحازاة الحائط»، كما يقول المثل العربى، بمعنى آخر، إظهار الحرص والحذر. لا أشاركه دائما هذه الرؤية للأمور، وخصوصا في هذه الأوقات، حيث تزداد حركة التاريخ سرعة واحتداما.

(7)

يختتم غالى الملاحظات التي سجلها في يومياته عن هذا اللقاء قائلاً وكأنه يرضى مبارك على حساب مصر كلها: «لكنى أعترف بأن الرئيس حسنى مبارك محق في قراراته، فهو يحكم الآن في بلدٍ يحاصره الروتين الإدارى لدرجة تمنعه من أن يتفاعل أو يتأقلم بسرعة.. في بلدٍ لا يزال جزء كبير من سكانه يعيشون كالبدو على إيقاع حركة القوافل، أو حسب ارتفاع منسوب مياه النيل، مع العلم أن ذلك لم يعد يحصل منذ بناء السد العالى».

(8)

المقال فرصة للتخفف من القضايا الكئيبة التي نغرق فيها، ووسيلة للتسلية والتعرف على الجوانب الخافية في كواليس السلطة، أو بتعبير أوضح هو خير محاولة لتطبيق نصيحة مبارك «خليهم يتسلوا»... أدينا بنتسلى بحكاياتهم، فليس في جعبة الفاسدين ما يفيد.

tamahi@hotmail.com