انشغل الرأى العام هذا الأسبوع برجل وامرأة ، أطاح بالرجل ومنح المرأة نوط الشجاعة.
الرجل هو المستشار أحمد الزند، والمرأة هى عزة الحناوى، شاهدت المقطع الذى يدين الوزير والذى يمجد المذيعة، زل لسان الوزير أثناء حوار تليفزيونى واستخدم صيغة المبالغة بما يمس مقام الرسول الكريم، والمذيعة هاجمت الرئيس، قامت بدور المذيع والضيف، كانت تسأل وتجيب فى آن واحد، ولم تعط ضيفها فرصة للرد ولا لنفسها فرصة للاستماع.
سبق أن كتبت عن المستشار الزند وضرورة التحقيق معه فيما نسب إليه من اتهامات بالفساد، فلا أحد فوق القانون، أتابع تصريحاته وأجد أغلبها يتنافى مع روح العدالة ووقار القضاء، ووجدت اختياره وزيرا للعدل غير موفق فى وقت كنا نريد أن نشعر بالتغيير نحو الأفضل، ورغم ذلك أدين إقالته كرد فعل لغضبة شعبية استندت إلى التأويل المفرط لما تسرع فيه واعتذر عنه، كنت أتمنى إقالته لأسباب موضوعية، إقالته تبدو كقربان لتهدئة الرأى العام وتخفيف الاحتقان بسبب أخطاء النظام فى إدارة الدولة.
شىء جيد أن يكون للرأى العام تأثير على صانع القرار، وأن يشعر الشعب أن صوته يصل إلى آذان ساكنى الاتحادية، لكن من المؤلم والمقلق أن يتم ذلك بالتضحية بأشخاص، وليس بتغيير حقيقى فى النظام، وفى مواقف لا ترقى إلى مستوى الإدانة، فى حين أن هناك الكثير من القرارات التى تحتاج المراجعة من الرئيس وحكومته وطالب الرأى العام بتغييرها ولا تجد استجابة.
عدم وجود معايير واضحة حول ماهية موضوعات الرأى العام التى يجب أن يستجيب لها النظام وما يجب إهمالها يضع الدولة فى إشكالية كبيرة: «عدم قدرة النظام على فرز الغث من السمين وافتقار الحكمة والحنكة».
أسوأ ما فى مصر الآن هو عدم وجود معايير واضحة يتم التقييم على أساسها، وخاصة فى الإعلام الذى يفتقد معايير واضحة للمذيع الذى يصلح للظهور أمام الكاميرا. الهواء مستباح: الحديث بلغة السوقة والخوض فى أعراض الناس وحياتهم الشخصية وإهانة المختلفين فى الرأى شىء عادى. لوكانت هناك معايير، لما ظهرت عزة الحناوى فى التليفزيون المصرى، وما كان أحمد موسى ليعود إلى صدى البلد ولما استطاعت ريهام سعيد أن تجد مدافعين عنها فى قناة النهار وما كان عمرو أديب من أغلى المذيعين أجرا.
راقب تحول عدد من الصحفيين إلى مذيعين، إنه أكبر دليل على عدم وجود أى معايير مهنية، فبعضهم يفتقد النطق السليم للغة العربية ولا يجيد أى لغة أجنبية والبعض الآخر يفتقد المظهر اللائق والثقافة العامة.
هذا السداح مداح هو الذى جعل من عزة الحناوى أشجع مذيعة فى مصر. فى اعتقادى أن شجاعة الإعلام ليست فى النقد المرسل والهجوم الثأرى، لكن فى فضح المسكوت عنه بالمستندات والوثائق وعرض الحقائق دون الشائعات. فى فيلم «سبوت لايت» الحاصل على أوسكار أحسن فيلم لهذا العام، درس فى الشجاعة الصحفية، فريق سبوت لايت (فى جريدة بوسطن جلوب) ظل يبحث بدأب ولفترة طويلة عن عدد القساوسة الذين يعتدون جنسيا على الأطفال وتتستر عليهم الكنيسة، حتى حصل الفريق على وثائق ومستندات تدين هؤلاء القساوسة، ولم تكتب الجريدة حرفا قبل أن يكون معها ما يثبت هذه الاتهامات... وحين بدأت الجريدة فى النشر لم تلتفت لتهديدات الكنيسة ولا ضغوط بعض الشخصيات العامة فى المدينة... هنا تكمن الشجاعة... شجاعة المتابعة والاجتهاد والتصدى للتهديد، ولكننا فى مصر نتعاطى الشجاعة الشفهية، ونردد كلاما لا يختلف كثيرا عن أحاديث المقاهى ، الفرق أن مرتادى المقاهى ليس لديهم ميكروفون ولا ينتمون إلى السلطة الرابعة.
أختتم كلماتى بمقولة غاندى : «لا يصبح الخطأ حقا بسبب تضاعف الانتشار، و لا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها» فكما نريد نظاما رشيدا علينا أن نخلق رأياً عاما رشيدا.. «رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا».