مَنْ بين الرجال لا يتمنى أن يعيش فى فردوس أنثوى، تصبح النساء فيه مبذولات كثمار الفاكهة، كل ما عليه أن يمد يده ويقتطفها من الغصن المتدلى؟ هذه ثمرة مانجو، وهذه ثمرة خوخ، وتلك ثمرة تفاح. تلك هى أحلام الرجل الخالدة، والتى حاول «كلينت استوود» أن يطبقها فى فيلمه «The beguiled- المخدوع». ولكن ماذا كانت النتيجة؟ ستعرفونها فى نهاية المقال.
الفيلم من إنتاج عام ١٩٧١. أحداثه تدور فى اللحظات الأخيرة من الحرب الأهلية الأمريكية، عندما نشبت الحرب بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية، نتيجة تضارب المصالح الاقتصادية على الأرجح، تحت ستار «تحرير العبيد».
هذا الموضوع الجدلى ليس موضوعنا على كل حال. المهم أن «كلينت استوود» كان جندياً جريحاً من جنود الأعداء. منذ اللقطات الأولى للفيلم شعرت بعدم الارتياح. لقد اعتدت الصورة الإيجابية للشخصيات التى يمثلها كلينت استوود. لكنه كان فى هذا الفيلم وغداً بمعنى وغد. خذ عندك مثلا، لقد اكتشفت وجوده طفلة فى الثانية عشرة من عمرها، فإذا به يقبلها خلف آجام الشجرة، استأت فعلا من المشهد لكن الغريب أن الطفلة لم تشعر بالاستياء، بل أظهرت حماسا أكبر بعد القبلة، ونقلته إلى المدرسة الداخلية التى تقيم فيها، ولا توجد بها إلا نساء.
كان واضحا لمديرة المدرسة أنه جندى من فريق الأعداء. لكنها كانت تعلم أنها لو سلمته فإنه سيموت حتماً من جراحه التى تستلزم العناية. لذلك فقد سمحت له بالبقاء.
كان السأم يقتل المجتمع النسائى قبل وصوله. ما أشد احتياج الأنثى للرجل والعكس صحيح. بمجرد وجوده دبّ الحماس فيهن، وبدأت منافسة صامتة على الجندى الجريح. طفلة الثانية عشرة، التى أيقظ أنوثتها مبكرا، تعتقد أنها الأحق به! وهناك المراهقة اللعوب التى تملك جرأة السابعة عشرة فتقبله بمجرد الانفراد به! وهناك المعلمة الشابة الحسناء التى لم يطرق الحب قلبها من قبل، وهناك مديرة المدرسة العانس المعذبة بالذكريات. ومما أثار استيائى أنه يستجيب لهن جميعا! شفتاه مستعدتان لتقبيل أى شفاه تقترب منه فى أى وقت، دون أن يبالى بحقيقة أنه يخدعهن، وأنهن لا يقصدن العبث معه، بل وقعن فى الحب فعلا.
شعرت بالاستياء الشديد، وهممت عدة مرات أن أكف عن مشاهدة الفيلم، خصوصاً أننى تعاطفت مع كل أنثى على حدة. هذه المعلمة الشابة، مديرة المدرسة الناضجة، كلهن من حقهن الإخلاص.
لكننى برغم استيائى ظللت أستغرب اسم الفيلم «المخدوع». ألم يكن الأولى أن يكون «الخادع» مثلا؟
الإجابة جاءت صادمة. لقد تم ضبطه فى غرفة المراهقة اللعوب، وبينما هو يجادل ويحاول امتصاص الصدمة سقط من فوق الدرج، لتقرر مديرة المدرسة التى ظهر الغلّ على وجهها، ورغم أنها ليست طبيبة، أن العظام مفتتة، وأنه لا حل سوى بتر الساق فورا وهو فى حال الإغماء.
وهكذا استيقظ المخادع على ساق مبتورة. كانت صدمته فوق الوصف، وغضبته أيضا، وفى النهاية قتلنه بطبق ملىء بعش الغراب السام، وهن يتناولن العشاء معه، فى رباطة جأش لا تملكها إلا نساء حاقدات.
الدرس كان واضحاً: لا تعبث مع النساء. النساء لسن طبق فاكهة متنوعة تأكلها جميعا، ولا يغرنك أيها الرجل ذوبانها بين ذراعيك، فإنها لو اكتشفت خيانتك ستكون نهايتك سوداء. وغير بعيد أن تبتر ما تيسر من أعضائك ثم تقتلك، كما حدث مع كلينت استوود المسكين.