شوية ملاحظات عن عزل الزند

جمال الجمل الإثنين 14-03-2016 00:02

(1)
خلونا نعترف أن إقالة الزند في أصلها، ليست سياسية، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها كمؤشر لتوجهات السلطة في المرحلة المقبلة، حتى لو سبق ذلك حبس الفاسد محمد فودة، وإسقاط عضوية توفيق عكاشة، والاتجاه لتحجيم مرتضى، وتخفيف جموح رموز الفلول الذين تمادوا في الغطرسة تحت جناح نظام 3 يوليو، فالإقالة جاءت كرد فعل متأخر على «حادث».. مجرد حادث، تسببت فيه «زلة لسان» كشفت عقلية ونفسية مسؤول العدل في بلد عانى من الظلم معظم تاريخه

(2)
هذا لا يمنع إمكانية تسييس «الحادث»، أو تقديمه للناس بنكهة سياسية، فالسلطة تريد أن تهدئ من احتقان الرأي العام، والشعب يريد الإحساس ببعض الانتصارات الصغيرة، وطالما تعلق الأمر بالدين فإن التخوف من اشتعال النار في الحطب يزداد، ويتحول إلى كابوس يرعب أي سلطة، ومن هنا يأتي المدخل الأول لتسييس قرار عزل الزند، وهو إحساس السلطة بخطورة الموقف في القضايا التي يتبناها رأي عام جارف، ومبادرتها بالاستجابة لاتجاه الرأي العام، كما حدث من قبل في المنصب ذاته مع وزير العدل الأسبق، بالرغم من أن تصريحه لم يكن يخص مكانة نبي عليه الصلاة والسلام، لكنه كان يكشف عن نظرة طبقية عنصرية ضد أولاد الفقراء، تضرب مبدأ المساواة الموجود في معظم دساتير العالم (لازالت هناك دساتير عنصرية في بعض البلدان ومنها دول عربية)

(3)

إذا كانت السلطة لديها استعداد للخضوع أو الاستجابة للرأي العام، فلماذا لا تستجيب في قضايا الحريات، وقضايا العدل الاجتماعي، ومطالب تحسين الخدمات، وطموحات المشاركة الفعالة في إدارة البلاد؟

(4)
الأهم: لماذا لا ينتبه الناس لتحويل قضاياهم الرئيسة إلى «رأي عام جارف»؟.. لماذا لا نتوافق ونتحرك بهذا الحماس في قضايا السياسة والاقتصاد، وسن التشريعات، وتطوير المرافق، وضبط العلاقات بين الجماعات والأفراد؟

(5)
تحدث أرسطو عن مفهوم «التطهر» في الدراما، وهو مفهوم يصلح للنظر إلى سلوكنا في الحياة، فأرسطو يقول أن الدراما (حياتنا) عبارة عن قصة تتصاعد فيها الأحداث حتى تتحول إلى عقدة ومشكلة، وبعد شوية صراعات ومصادفات يأتي الحل السعيد، فتحدث عملية تفريغ لمشاعر المشاهد (المواطن) ويتخلص من شحنات الغضب والإندماج في المأزق، وييرتاح لوهم «النهاية السعيدة» باعتباره نهاية للمشكلة، خاصة وأننا من الشعوب التي تميل للشخصنة أكثر من ميلها للموضوعية، فنحن نركز على الشخص ويسهل علينا نسيان الموضوع، أو تأجيله، لذلك لم تكن إقالة الوزير الأسبق خطوة في تفكيك النظرة العنصرية لنبلاء القضاء ضد أولاد الفقراء، ولا تبشر إقالة الوزير السابق (لها جِرس جميل صفة السابق هذه المرة) بخطوات تالية لمحاسبته عن الأخطاء

(6)
خلونا نعترف أيضا أن إقالة وزير اثيرت حوله ضجة كبيرة مثل الزند، لم تكن ضمن تغيير سياسي هادئ ومقبول لتداول السلطة، أو إعطاء فرصة لاتجاه أو جيل آخر، لكنها جاءت على خلفية تصريح مشين يتعارض مع مشاعر ومعتقدات الشعب، ومع انضباط أي مسؤول في تصريحاته، ومع نصوص والتزامات واضحة في الدستور، فلماذا نقيل مثل هذا المسؤول المنفلت بلا حساب؟.. هل هذا نوع من الحصانة المستترة و«الخروج الآمن المزمن» للمسؤولين؟

(7)
ملاحظة أخيرة: إذا كان الشعب يعترض ويحذر وينبه، ويفسر ويشرح، ثم لا تستمع له السلطة ولا تستجيب، إلا بعد وقت طويل وخسائر كبيرة، ثم تفعل ما كان الشعب (أو بعضه) يحذر منه، فهل تتعلم السلطة أنها «متخلفة»، وقرارتها متأخرة عن إيقاع الشعب بكثير من الوعي والفهم ودقة اختيار القرار؟.. هل تتعلم السلطة ان تأخذ رأي الشعب في اعتبارها وتدرسه جيدا، حتى لا تبدو دائما مثل «البليد العنيد» الذي ينصحه الجميع، لكنه يظل يكابر، ثم بعد أن يضيع الوقت والجهد هباءً، يعود صاغرا ليفعل مضطرا ما كان يجب أن يفعله مقتنعا ومتفهماً قبل وقت طويل..!

(8)
اتعلموها بقى
...........................................................................................
تتبقى ملاحظة تتعلق بردود أفعال نادي القضاة، وألتراس الفساد من إعلاميين وسياسيين وتجار كهنوت، هؤلاء لهم وقفة أخرى