بلا أى مواربة: هل يسعى إعلامنا إلى إشعال النار فى البلد؟!.. وهل يولع البلد فعلاً.. أم هو إعلام النخبة، صاحبة الصوت العالى.. أما البسطاء فهم - كلهم - وقود هذه المعركة؟!
والإعلام المصرى - أغلبه - يحاول الظهور بأنه المدافع الأول عن الفقراء.. ولهذا فهو يبرز أخبار زيادة الأسعار.. حتى ولو كانت أسعار الدولار! دون أن يشرح لنفس هؤلاء البسطاء ما تعانيه الدولة من أجل توفير ما تدفع به ثمناً لكل هذه السلع.. وأكثرها يتم استيراده.. وأن سبب ذلك هو اندفاع مؤشرات الاستهلاك فوق أى توقعات.. وانخفاض معدل الإنتاج، فى كل المجالات، بل إن الشعب يندفع إلى استهلاك حتى ما هو ليس ضرورياً مثل التسالى والتدخين.. والمحمول والمقرمشات.. ونظرة واحدة وبالأرقام التى لا تكذب نكتشف معدل صعود الاستهلاك.. يقابله معدل هبوط أرقام الإنتاج.
وهنا ليس أمام الإعلام الذى يدغدغ حواس الناس إلا إبراز توالى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.. أو سلع الرفاهية، ولا تخلو صحيفة أو محطة تليفزيونية، حكومية أو خاصة، من ارتفاع أسعار الأرز والسكر والزيت والعدس.. وحتى فول التدميس، ولم يسأل إعلامى واحد نفسه: كم من هذه السلع ننتجها داخل مصر.. وكم هو مستورد منها؟!.. وإذا سألوا أنفسهم اكتشفوا أن معظم هذه السلع.. مستوردة!!.
طيب ماذا سنفعل وشهر الطعام - أقصد شهر الصيام - على الأبواب، حيث كل شىء يزيد معدل استهلاكه.. وربما تتضاعف هذه المعدلات.. ونطبق هنا مقولة: رمضان شهر الكرم.. وربنا يفرجها.. نقول ذلك والحكومة هذه الأيام مهمومة بمشاكل تدبير الموارد المالية التى نستورد بها كل ذلك.. من الخارج، حتى بات الشعب متهماً بأن «همه.. على بطنه»، ولكننا لن «نعاير» الحكومة على ما تفعل.. ويجب هنا أن يدفع من يشترى الثمن الحقيقى لكل ما نستورده على الأقل من الخارج.. دون أن تجبر الدولة على تحمل فروق الأسعار.. وتابعوا معنا كارثة تصاعد حجم ما نستورده.. مع انهيار حجم ما نصدره.
هنا يأتى دور الإعلام «الوطنى، القومى» ونحن لا نطالبه هنا بأن يمشى فى طوابير الطبل والزمر، ولكننا فقط نريده ألا يشعل نيران الغضب بين الجماهير.. فليس كل ما هو سلبى هو ما يكشفه هذا الإعلام.. وأن نقول للناس: هذه هى الأسعار العالمية.. فإذا زاد سعر الزيت - ومصر تستورد 90٪ من زيت الطعام - 20٪ فلماذا لا نرجو الناس أن يخفضوا من استهلاك الزيت.. بنفس النسبة؟.. وأتذكر هنا أننا خلال العدوان الثلاثى عام 1956 واجهنا انخفاض إنتاج الأرز.. فلجأ الناس إلى صنع الشعرية البلدى من الدقيق.. وكانت أمهاتنا تضع فى «الحلة» نصف الكمية من الأرز.. وتكمل النصف الثانى بشعرية القمح هذه.. وعندما واجهنا - فى نفس هذه السنة - نقصاً فى الكيروسين اللازم للطبخ.. لجأنا إلى «الكانون» لتعد أمهاتنا ما نأكله على نار هذا الكانون.. وهكذا.. أم أننا الآن لا نستطيع ما قام به الناس أيامها، وهل كان الشعب المصرى - أيامها - أكثر وطنية ومستعداً ليقطع نصف وجبته من أجل الوطن.
ألسنا الآن فى خطر أبشع مما تعرضت له مصر عام 1956 رغم أن أعداءنا كانوا أيامها ثلاث دول.. بينما الخطر يأتى الآن من الداخل «بالإرهاب» ومن الخارج أيضاً.
وأتساءل هنا: أليس ما تتعرض له البلاد الآن أخطر مما تعرضت له عام 1956؟ نقول ذلك لأننا الآن فى معركة مصير.. إما نقوم وننهض.. وإما - لا سمح الله - لا قيام بعده!!، أم أننا أيام عبدالناصر تحملنا.. وفى أيام السيسى نعجز عن تكرار ملحمة الصمود.. تلك هى مهمة الإعلام الوطنى الحقيقى، الذى يبنى الدول لا يهدمها.. يقود معركة التوعية حتى نعبر الخطر.. أم أننا - فى عصر الرفاهية الحالى - لم نعد نتحمل شيئاً من المشقة؟.
■ ■ ماذا لو وفرنا «وجبة واحدة» واكتفينا بوجبتين.. هل هذا هو المستحيل.. تلك هى المهمة القومية التى ننتظرها من إعلامنا، وتعالوا نوفر وجبة.. ولفترة محدودة.. وتعالوا نقلل من استخدامنا للمحمول إلى النصف.. ونبطل هذا الرغى.. ونوفر نصف علبة سجاير يومياً.. ونقسم رغيف الخبز إلى نصفين.
واحمدوا ربنا.. فنحن أفضل من شعوب غيرنا، فى نفس المنطقة، واحمدوا ربنا أننا نملك كهرباء ومياهاً للشرب وأنبوبة البوتاجاز.
■ ■ تلك هى «الوطنية».. وهى القومية: يا «إعلامّيى» بلدى الشرفاء.