إن لم أكن مخطئا فإن البرلمان حتى الآن تعطل أكثر مما عمل. بالطبع المقصود هنا بعمل البرلمان الجلسات العامة. بعبارة أخرى أن البرلمان خلال أجازاته الطويلة الثلاث التى تخطت أيام عمله، كانت اللجان البرلمانية تعمل.
هناك ثلاث مرات على الأقل توقف فيها البرلمان عن العمل، المرة الأولى: توقف البرلمان لمنح الفرصة للجانه، لإعداد التقارير بشأن عشرات القرارات بقوانين التى أصدرتها الرئاسة فى غيبة المجلس بدعوى الضرورة، وإن كان بعضها لا ضرورة فيه على الإطلاق. وفى المرة الثانية كانت الإجازة التى استغلت لزيارة وفد البرلمان إلى بعض البلدان الأوروبية ومنها اللقاء الخاص بالاتحاد البرلمانى الدولى، هنا كانت اللجنة الخاصة المشكلة لإعداد لائحة البرلمان تعكف على إعداد اللائحة الجديدة. الآن أو المرة الثالثة، تستغل الإجازة لزيارة الوفد المصرى للوساكا لاجتماع الاتحاد البرلمان الدولى، وهو ذات الوقت الذى ورطنا أنفسنا بأنفسنا فيه وجعلنا اللائحة تحت الرقابة السابقة، فى مهزلة أخرى وضياع مستحكم للوقت، بأن حولناها إلى مجلس الدولة، لنبدأ فى نهاية مارس فى الدوران فى الحلقة المفرغة، ونناقش بعض موادها من جديد.
كل ما سبق أدى بلا شك- رغم وجود لجان تعمل خلال ربع الوقت الضائع أو نصفه على الأكثر- إلى هدر الوقت، بل لا نتجاوز الحديث بالإشارة إلى أن ما كان يتم من جلسات كان لبحث أمور ضرورية فقط. فكما قال الفاشى الإيطالى الشهير موسولينى يمكن للبرلمان أن يجتمع لجلسات لأخذ الرأى فى تحديد مكان وضع النافورة فى أحد الميادين، لكن البرلمان لا ينعقد لاتخاذ قرار الحرب، فعند هذه الأخيرة يكون الكلام للسلطة التنفيذية وحدها. وهكذا انعقد البرلمان بناء على طلب الدستور لتمرير ما غالت فيه السلطة التنفيذية من قرارات بقوانين، وكذا لمناقشة أمور محدودة التأثير كإسقاط العضوية التى تجاوز فيها البرلمان اللائحة والأعراف، ثم لوضع اللائحة التى ضرب بها كل المناقشات والقرارات بعرضها على مجلس الدولة كما قلنا آنفًا.
السؤال الآن: ماذا نحن فاعلون فى جدول الأعمال القادم والمتخم، والذى نقوم يوميًا بترحيله؟
لدينا برنامج الحكومة ومناقشته، ولدينا الموازنة ومناقشتها، والحساب الختامى ومناقشته، وتقارير الجهاز المركزى ومناقشاتها، ولدينا ثلة لا حصر لها من التشريعات، أتى بها الدستور الجديد وتتضمن 24 قانونا جديدا و42 تعديلا لقوانين قائمة، على رأس تلك القوانين المحليات، والهيئة الوطنية للانتخابات، وقوانين تنظيم الإعلام، والتأمين الصحى، والشرطة، والأمن الإلكترونى، والعدالة الانتقالية، وبناء دور العبادة الموحد.. إلخ.
المهم أنه وسط كل ما سبق سيكون شهر رمضان، المعروف ظلمًا وبهتانًا فى عالمنا العربى والإسلامى بأنه شهر النوم، وإذا أضيف إلى كل ذلك إجازات الصيف والمصايف، وهى بالتأكيد بعيدة عن شهر رمضان، فإننا نكون أمام برلمان يهدر الوقت ولا يعى بمشكلات الوطن والمواطن.