بدأت أمس عملية إغاثة عمال المناجم المحاصرين تحت الأرض فى تشيلى بإنزال كبسولة تجريبية فارغة إلى منجم سان خوسيه التابع لشركة سان استيبان لإنقاذ 33 عاملا بالداخل يواجهون الموت منذ أكثر من شهرين عندما انهار المنجم فى 5 أغسطس الماضى، ويعيشون على السوائل لدعم ضغط الدم والحيلولة دون تعرضهم للغثيان.
ونجحت العملية فى انتشال10 من العمال المحاصرين بهبوط عامل إنقاذ داخل قفص حديدى يبلغ عرضه 54 سنتيمترا ليقطع مسافة حوالى 700 متر تحت الأرض لمساعدة عمال المنجم على التهيئة للصعود، واحدا تلو الآخر. وفى طريق عودتها، حملت الكبسولة «فونيكس» الأجنبى الوحيد ضمن العمال المحاصرين وهو مصور يدعى فلورنسيو أفالوس ـ 31 عاما ـ ووصل إلى السطح ليكون أول الناجين، الذى استنشق الهواء لأول مرة منذ 69 يوما.
وتم اختيار «أفالوس» أول من يخرج من عمال المناجم المحاصرين لرباطة جأشه وقدرته على القيادة، التى أبداها خلال العملية المحطمة للأعصاب، فضلا عن مهاراته الملحوظة فى الاتصالات، حيث عمل كمشغل للكاميرا لبث أفلام فيديو من تحت الأرض ليراها العالم.
وبعد أن استقبله الأقارب بالعناق والقبلات، بدا «أفالوس» بصحة جيدة بعد رحلة سالمة إلى السطح استمرت 16 دقيقة، ثم عانقه بعد ذلك الرئيس التشيلى سيباستيان بينيرا، الذى أمر بإصلاح أنظمة السلامة بالمناجم، بينما أخذ الحضور يهتفون: «تحيا تشيلى».
وكان الناجى الثانى هو العامل ماريو سيبولفيدا، الذى علت صرخاته الفرحة وصعدت إلى السطح قبل أن يخرج، ضاحكا من كبسولة الإنقاذ لتحيط به ضحكات أقاربه، الذين كانوا ينتظرونه، وفور خروجه من الكبسولة، فتح حقيبة صفراء كان يحملها وأخرج منها تذكارات من صخور المنجم ودس واحدة بقوة فى يد الرئيس التشيلى.
وتوالى بعد ذلك صعود الناجين من المحنة عبر الكبسولة المزودة بأسطوانات أوكسجين وخطوط اتصالات وأحزمة خاصة لمراقبة الإشارات الحيوية للعمال، بالإضافة إلى ارتداء العمال جوارب ضغط خاصة ومشدات للخصر للحفاظ على الدورة الدموية خلال عملية الصعود. وفى حالة استمرار نسق صعود العمال على هذا النحو، فمن المحتمل أن تنتهى عملية الإنقاذ فى غضون 24 ساعة، حيث تجرى تباعا فحوص طبية مبدئية على العمال فى المستشفى الميدانى، الذى أقيم لهذا الغرض، تمهيدا لنقلهم بمروحيات إلى مستشفى آخر لتقديم الرعاية الطبية الكاملة.
وأكد الأطباء أن بعض العمال يعانون من توتر زائد وآخرين من السكرى ومشاكل فى التنفس، كما يخشى الأطباء من إصابتهم بأمراض جلدية نتيجة الفترة التى قضوها على عمق مئات الأمتار تحت الأرض.
وطوال محنتهم على مدار الشهرين العصيبين، أبدى العمال المحاصرون صلابة واتحادا واستمرت حالتهم المعنوية مرتفعة إلا أن الأطباء يتوقعون أن يعانى البعض من الضغط لفترة طويلة بعد خروجهم إلى السطح ولم شملهم مع أسرهم.
وهنأ الرئيس تشيلى بينيرا مواطنيه ببدء عملية إنقاذ عمال المنجم وقال إن أزمة عمال المنجم أظهرت الروح الحقيقية لشعب تشيلى مضيفا: «العمال أظهروا أن البلاد موحدة وأننا قادرون على فعل أشياء عظيمة».
ووصف بينيرا عملية الإنقاذ بأنها «ليلة مدهشة لن ينساها العالم ولا التشيليون أبدا»، وقال: «ولندع تجربة عمال المنجم تستمر معنا إلى الأبد».
وعقب هذه المحنة، أصبح العمال الـ33 نجوما عالميين، فأرسلت لهم قمصان موقعة من نجوم عالميين لكرة القدم ومسبحات من بابا الفاتيكان البابا بنديكتوس الـ16 وأجهزة «آى بود» أهداهم إياها رئيس شركة «أبل» ستيف جوبز لمساعدتهم على تحمل معاناتهم، التى أصبحت مصدر إلهام لمخرجين سينمائيين.
وبعد 7 أيام من حدوث الانهيار، اعتبر وزير المناجم التشيلى لورنس جولبورنى أن فرص العثور على العمال أحياء «ضئيلة جدا»، ولكن تحت ضغط الأهالى، الذين اعتصموا فى المكان غداة حدوث الانهيار، واصل رجال الإنقاذ جهودهم حتى تمكن مسبار فى 22 أغسطس الماضى من التقاط رسالة فى صورة عبارة أصبحت شهيرة مكتوب فيها: «نحن بخير جميعنا الـ33 فى الملجأ تحت الأرض»، علما بأن العمال كانوا محتجزين على عمق يقارب ارتفاع برج خليفة فى دبى، الذى يعد أعلى بناء فى العالم وتحديدا على عمق 700 متر بما يعادل 2300 قدم تحت سطح الأرض.