العرب.. على طريق البلقان!

عباس الطرابيلي السبت 12-03-2016 21:31

ظلت منطقة البلقان منطقة قلاقل مستمرة طوال قرن كامل.. بسبب تدخلات دول أوروبا. واستخدمت هذه الدول منطقة البلقان لتصفية حساباتها على أراضيها.. بل إن الحرب العالمية الأولى اشتعلت بسبب الإرهاب!! ففى يوم 28 يونيو 1914 اغتيل الأرشيدوق فرانسيس فرديناند، ولى عهد النمسا والمجر، فى مدينة سراييفو البلقانية، على يد الشاب المتطرف جافريلو برنسيب، الذى كان بين أعضاء تنظيم إرهابى فى الصرب- أكبر تجمع عرقى فى البلقان وقتها- واستغلت إمبراطورية النمسا والمجر هذه الجريمة وأعلنت الحرب على الصرب.. ومن يومها أصبحت البلقان أخطر بؤرة للثورات فى أوروبا.. بسبب نمو القوميات بها.. وأخذت كل دول أوروبا تصفى حساباتها هناك على أرض البلقان.. كما يجرى الآن فى المنطقة العربية.. إلى أن جاء جوزيف بروز تيتو ونجح، بعد حروب أهلية رهيبة، فى إعلان المنطقة جمهورية اتحادية يوم 29 نوفمبر 1945 تحت اسم يوغوسلافيا الشعبية الاتحادية. وتم إلغاء الملكية، وهى تتكون من 6 جمهوريات: البوسنة والهرسك. كرواتيا. مقدونيا. سلوفينيا. صربيا. الجبل الأسود.. وظلت دولة واحدة إلى عام 1991.. ولكن الأيدى العابثة استمرت تلعب فى البلقان.. وتحولت الدول الأربع الأولى إلى جمهوريات. ولكن استمر العبث الأوروبى وتحول الأمر إلى حروب بشعة، هذه الدولة تأكل تلك.. وتلك تهاجم جاراتها.. بسبب العرقيات المختلفة.. تغذيها الدول الأوروبية من روسيا شرقاً إلى فرنسا وإنجلترا وأمريكا.. وقوى إقليمية عديدة.. وأصبحت منطقة البلقان أخطر مناطق الصراع فى العالم، وليس فى أوروبا فقط. وسمع العالم عن المذابح الجماعية والقبور الجماعية.. بل والتصفية العرقية هناك.. وانتهى الأمر- حتى الآن- إلى قيام العديد من الدول أو الدويلات فى البلقان.. حتى الدويلة الواحدة تم تقسيمها إلى مناطق للحكم الذاتى تحت غطاء الدويلة الواحدة. وهذا بالضبط ما يفكرون فيه ويخططون للعزيزة سوريا.. وأمامنا ما يذيعه الإعلام الغربى لتحويل سوريا إلى منطقة اتحادية أى قيام نظام فيدرالى مع منح حكم ذاتى موسع للأقاليم فيها.. أى على غرار ما حدث فى منطقة البلقان.

وليست سوريا وحدها، بل العراق: تم منح الأكراد حكما ذاتيا هو أقرب إلى الاستقلال عن الدولة الأم.. ثم دولة شيعية فى الجنوب، ودولة سنية فى الوسط.. بل وخضوع العراق «كله» للحكم الشيعى المتطرف فى إيران.

وليبيا.. وما الصراع الشديد هناك وما قيام «كانتونات» لا هوية لها فى ليبيا، مع غياب «دولة واحدة» إلا محاولة لإعادة ليبيا إلى ما كان قائماً قبل عام 1950 من وجود ثلاث ولايات: برقة وبنغازى فى الشرق.. وطرابلس فى الغرب.. وفزان فى الجنوب.

والسودان.. فصلوا جنوبه. وها هو غربه- فى دارفور- على طريق الانفصال وربما يتبعه إقليم كردفان. وقبله تم تدمير الصومال الذى توحد قبل الاستقلال.. ولكن لا سلطة اتحادية الآن هناك كما كان أيام محمد سياد برى.

واليمن.. التعيس بعد أن كان سعيداً.. ربما ينقسم إلى شمال عاصمته صنعاء، وجنوب عاصمته عدن.. وغيرهما.. ونعود إلى سوريا- وما أدراكم ما سوريا- لأنها قلعة العروبة ودرعها وسيفها وحامية لغتها.. يلوحون الآن- وتحت دعاوى الديمقراطية- إلى إقامة دولة اتحادية بنظام فيدرالى مع منح كل إقليم فيها حكماً ذاتياً موسعاً، وهذا يعيد إلى الأذهان المخطط الفرنسى الاستعمارى القديم الذى ما إن احتلت سوريا يوم 25 يوليو 1920 إلا وعمد إلى تذويب عروبة سوريا «وفرنسة كل شىء فيها» والبداية كانت فصل لبنان عن سوريا.. ثم تقسيم سوريا إلى 4 دويلات صغيرة هى دولة دمشق. ودولة حلب. ودولة العلويين وعاصمتها اللاذقية. ثم دولة جبل الدروز.. لولا أن ثار الشعب السورى ثورة عارمة أجبرت فرنسا على إعادة توحيد البلاد.

■ ■ وهاهى الآن أوروبا تلوح بعلم الديمقراطية لمواجهة ديكتاتورية الأسد العلوى النصيرى، تلوح بدولة فيدرالية مع حكم ذاتى إقليمى.. فهل يسمح الشعب السورى- بكل تاريخه النضالى العربى- بهذه المؤامرة؟

إن الغرب هنا يريد أن يصفى حسابات ولكن على الأرض العربية السورية، أى أن المستعمرين الجدد يحاولون «بلقنة العرب» على غرار ما حدث فى البلقان.. لتفتيت أرض العرب وتمزيق عروبتها.

وهذا لن يكون.. أبداً لن يكون.