ماريو بارجاس يوسا الباحث عن المستحيل الذى عبرت إليه نوبل من الناصية الأخرى

كتب: أيمن عبد الهادي الأربعاء 13-10-2010 16:14

يوسا يكتب بالنهار فى البيت، ويكتب بعد الظهر فى المكتبات العامة، فى هذين المكانين أبدع أهم أعماله.. فى ليما، باريس، لندن، مدريد.. يوسا راو حر.. فالفنان حسبه ليس موظفاً.. والرواية عنده شغف بالمستحيل.. عالم قائم بذاته، انعكاس للواقع.

الأسبوع الماضى انضم الكاتب البيروفى صاحب الجنسية الإسبانية ماريو بارجاس يوسا (74عاماً) لجوقة كتاب نوبل للآداب.. عن حق لا شك.. فمكانته فى عالم الفن الروائى محفوظة قبل الجائزة.. وهو، كما قال، لم تراوده الفكرة حتى كونه مرشحاً، فى الوقت الذى كانت فيه الجائزة تعبر إليه من الناصية الأخرى.. بعد أن عبر هو باتجاه قارئ متربص يبتغى نصاً يتلذذ به من عينة: «امتداح الخالة»، «دفاتر دون ريجوبيرتو»، «الفردوس على الناصية الأخرى»، «حفلة التيس»، «شيطانات الطفلة الخبيثة».

هنا، نقدم ترجمة لبعض من آراء يوسا صاحب نوبل 2010 وردت فى حوار أجرته معه مجلة «لير» الفرنسية ونُشر فى أبريل 2002.

رواية «حفلة التيس» التى تحكى عن ديكتاتور الدومينيكان تروخييو:

«ليس المهم فى الرواية موضوعها، أو قضيتها إنما ما ستفعله بها. لا أعتقد أننى أكتب نصا ينتمى للعالم الثالث، دعوى أو ديماجموجى. بالأحرى قصة حيث تظل الطريقة أكثر أهمية من المادة، حيث اللغة والبنية تفوق أهمية القصة ذاتها. لكن تظل حقيقة أن هذه الرواية تعالج الديكتاتورية، وهذا موضوع يتجنبه الأدب السطحى، التافه، الذى لا يقدم إلا التسلية. أنا لا أحب هذا الأدب. أفضله جاداً، يثير القلق، مهموماً، وهذا لا يعنى أن يكون منزوعاً عنه الحس الساخر. وتعود تلك الاعتبارات إلى فترة شبابى، وأظل مُخلصاً لها. لقد تربيت بطريقة أو بأخرى على جون بول سارتر، حيث كانت الكلمات أفعالاً والأدب قادرا على تغيير الحياة. لا تزال هذه الأفكار صالحة. لذة كبيرة أن نقرأ لكن الكلمات التى نجدها فى كتاب هى أيضاً ألغام صغيرة من شأنها أن تنفجر فى الوعى، الذاكرة أو السلوكيات (...) كانت حياتى ستكون أكثر حزناً وبلادة لو لم أكن قد قرأت تولستوى، فوكنر، ملفيل، كامو، دوس باسوس ومالرو (...).

الديكتاتورية

أريد أن أقدم كائناً بشرياً أصبح مُستبداً. إنساناً يستخدم السلطة ليحقق نزواته ويستفيد من عبودية، ومن جبن ومن ذل الآخرين. إنسان مسخ ، يُضعفه ويُهده المرض فى نهاية حياته (...)

الشعوب تتقاسم والطغاة مسؤولية وجود الأنظمة المستبدة!

هل كان سيوجد فرانكو دون الإسبان؟ هل كان سيوجد هتلر دون الألمان؟ ماو دون الصينيين؟ كل الشعوب كان يمكنها المقاومة مع بداية الحكم الاستبدادى. فى الحقيقة، أغلب الديكتاتوريين ينجحون فى لحظة ما فى سحر وإغواء قطاع كبير من السكان. لو استثنينا الانقلابات العسكرية، الطغاة يأتون لأننا نستدعيهم. تروخيلو (ديكتاتور الدومينيكان) كان محبوباً جداً من الشعب. إلى درجة أن الدومينيكانيين لو كانوا قد تقاطعوا مع قاتليه ليلة اغتياله كانوا سيسحلونهم. ما أردت أن أعرضه هوان الديكتاتورية ليست فقط سلسلة من العنف والتعذيب لكنها تعنى أيضاً تدهوراً أخلاقياً بطيئاً لكل المجتمع. وهذه نوعاً قصة أمريكا اللاتينية.

يوسا والتشاؤم

«بعد سقوط حائط برلين كثيرون منا اعتقدوا فى قدوم ثقافة كونية متسامحة وديمقراطية. كان ذلك مثالياً. لكنى لا أزال مؤمناً بالأدب الملتزم، التزاماً أخلاقياً بالمشاركة فى حياة المدينة. يؤسفنى أنه فى المجتمعات الديمقراطية تخلى الكُتاب عن الفعل بذريعة أن مثل هذا السلوك يعد غاية فى الطموح، غاية فى السذاجة (...)

فى مدح الحركة والرواية

أنا أكتب كثيراً من الدراسات مثلما أكتب الروايات والمسرحيات. أنا النفى الحى لما قاله بارت: «تاريخ كاتب هو تاريخ لموضوع ولتنويعات عليه». أكتب ما يُحرضنى. أنتمى إلى عائلة أولئك الذين يبحثون. عندما كنت صغيراً، أردت أن أكون مواطناً عالمياً. أمتلك المصائر الرائعة لشخصيات كتب المغامرات.

 رفضت الانغلاق فى حالة واحدة، لغة واحدة، منظر واحد. قررت الخروج من سجن القبيلة، من الحتمية التى يصنعها الميلاد بعدم التغير (...) أنا من بيرو حيث ولدت، ومن إسبانيا وإنجلترا وفرنسا. فى هذه الدول الأربع حيث أعيش بالتناوب أشعر أننى فى بلدى. الذى لا يتقيد فى حياتى هو العمل، الطريقة شبه البيروقراطية التى أنظم بها نفسى حيثما وجدت. بعد ساعة من المشى مع زوجتى باتريشيا أعمل فى المكتبة صباحاً وفى المكتبة بعد الظهر (...) فى باريس، على سبيل المثال، أتنزه فى حديقة لوكسمبورج ثم أعمل فى مكتبة فرنسا الوطنية.

 الخروج، الذهاب إلى مكان آخر، أن تكون مُحاطاً بالكتب، دون أن يرن الهاتف، هذا يُحرضنى (...) أهتم بفكرة الفوضى فى شقها الثقافى والشعرى، الحياة نفسها فوضوية بما يكفى. أنا فى حاجة لهذا التبادل المستمر بين عدم انتظام حياتى اليومية وانتظام عملى ككاتب. أستفيد من عالم أصبح أفقه الآن أقل تقييداً. الآن، الناس بوسعهم السفر، الحياة فى دول مختلف، فى لغات مختلفة. منذ فترة ليست بعيدة، كانت الرواية فقط هى من يمنح تلك الإمكانية.

يوسا فى العربية

تُرجم العديد من أعمال ماريو بارجاس يوسا إلى العربية وقام صالح علمانى بترجمة الجزء الأكبر منها ونشرتها دار «المدى»، منها: «امتداح الخالة»، «حفلة التيس»، شيطنات الطفلة الخبيثة»، «دفاتر دون ريجوبيرتو»، «بانتاليون والزائرات»، «قصة مايتا».

كما صدر ضمن المشروع القومى للترجمة ثلاثة أعمال له هى: «الكاتب وواقعه» ترجمة بسمة محمد عبدالرحمن، «الجراء» و«الرؤساء» ترجمة هالة عبدالسلام أحمد.